ذاك الكوخ الريفي الماثل في ذروة روحي ..يغريني بالمسير إليه ...فأمسك بيدي صرة خاطتها أنامل جدتي الجعداء ..وأضع فيها كل ما بوسعي من قوارير العطر السرمدي ... ذاك العطر يتحرق شوقا للإنعتاق ...ليفوح ويعبق فوق مساحة قلبي المشتاق ... أسير بلهفة العاشق الولهان ...وتسبقني تراتيل من الشوق المكنون ...لتعبد أمامي الطريق ... وتقتص من وعورته الواقفة كحاجز أحمق سهل الإجتياز ....
وأخيرا أصل ....
أتلمس بيدي المشتاقة عيدانه الخشبية ...وألقي برأسي فوق وسائد القش المنضدة فوق خوان خشبي عتيق ...والتي تروي قصص من اتكؤوا ... ذاك الخوان ...تسائلني مساميره عن جدي الذي أحدث طرقاته الحكيمة فيه ثم رحل .... وتلك الأواني النحاسية ترمقني بحسرة ..تود لو أزيل عنها غبار الهجر والنسيان ...تلك الجرار الفخارية ..لاتزال تحتفظ ببصمات جدتي التي نقشت فوقها قصصا من الكفاح ...وتشتاق أسافلها لكتفها المتلاشي في غمرة الرحيل ..وتتوق حوافها لتنصت للهاثها المتواري في نفق الغياب ...كل شيئ في ذاك الكوخ يحرض روحي على استخراج عبارات شوقي المكنونة ..وينصت باستمتاع إلى بقايا أحاديث السمر العالقة على زجاج ذاك القنديل العتيق والذي تحجر ما تبقى من زيته في القعر المظلم ... يرمقني مكان جدتي بنظرات العتب اللطيف ... يحثني على إعادة مجد هذا المكان بكل تفاصيله .. يودني أن أنفض الغبار عن الزرابي المركونة في إحدى زواياه المنسية ..وأن أكنس القش المكدس في الطرقات المؤدية إليه ..وأن أنزع شجيرات الورد اليابسة من أطرافه ...وأن أزرع بعض عرائش الياسمين ..لتعود البهجة إلى جوانبه المشتاقة للسرور .. ولتنبت على ضفاف قلبي كل أصناف الزهور ..
عن بيوتنا المهجورة في حضن الوطن كنت أتحدث ...
فادية حسون ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق