الأحد، 16 أغسطس 2020

اديبنا القدير ..خالد خبازة ..

 لغتنا الجميلة


البحث الخامس


الشعر و أوزانه .. في الألفاظ و المعاني :

قيل :

اللفظ جسم .. و الروح هو المعنى , و ارتباطه به ، كارتباط الروح بالجسد ،. يقوى بقوته ، و يضعف بضعفه . 

و من الناس من يفضل اللفظ على المعنى ، فيجعله غايته و كده ، يذهبون الى فخامة الكلام و جزالته ، على مذهب العرب من غير تصنع .. كقول بشار بن برد من الطويل و القافية من المتدارك :


اذا ما غضبنا غضبة مضرية ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما 

اذا ما أعرنا سيدا من قبيلة ... ذرى منبر صلى علينا و سلما


وهذا النوع ، أدل على القوة .. و ما يمدح به الملوك و أصحاب الشأن ، يجب أن يكون على هذا النحت . 

و هناك فئة من أصحاب الجلبة و القعقعة بلا طائل معنى ، الا القليل النادر .

كقول القاسم بن هانئ الأندلسي ، من الطويل :


أصاخت فقالت : وقع أجرد شيظم ... و شامت فقالت : لمع أبيض مخذم

و ما ذعرت الا لجرس حليّها ... و لا رمقت الا برىً في مخدّم


فـأنت لا ترى في ذلك الا الفساد ، و خلاف المراد .. و الا فما هي الفائدة أن التي تغزلت بها ، أكانت لبست حليها فتوهمته بعد الاصاخة و الرمق ، أكان وقع فرس ، أو لمع سيف ؟! غير أنها مغزوة في دارها ، أو جاهلة بما تحمل من زينتها ؟ّ

غير أن أبا القاسم هذا مع صنعة طبعه ، فاذا أخذ بالحلاوة و الرقة ، و عمل على طبعه و سجيته ، فقد دخل في جملة الفضلاء . 

و يقع له أحيانا من الكلام المصنوع و المطبوع أشياء جيدة ، كقوله في المطبوع يصف شجعانا .. من الكامل :


لا يأكل السرحان شلو عقيرهم ... مما عليه من القنا المتكسر


و العقير منهم .. أي القتيل .. يوصف بالشجاعة .. لم يمسِ لشجاعته حتى تتحطم عليه من الرماح ما لا يستطيع الذئب معها الوصول اليه لكثرة هذه الرماح . و هذا معنى رائع .

و لو أن العقير هم الذين عقروه ، لكان هجوا لهم لا مدحا .. لأنهم تكاثروا على واحد .


و من الناس من يؤثر المعنى على اللفظ ، فيطلب صحته ، و لا يبالي باللفظ أكان هجينا أم قبيحا أم خشنا 

و ان أكثر الناس هم على تفضيل اللفظ على المعنى . 

و قالت العلماء :

اللفظ أغلى من المعنى ثمنا ، و أعز مطلبا .. فان المعاني موجودة في طباع الناس ، يستوي فيها الجاهل و الحاذق ،. و لكن الأصل هو العمل على جودة الألفاظ ، و حسن السبك ، و صحة التأليف . 

و قد مثّل ابن وكيع المعنى بالصورة ، و اللفظ بالكسوة ،. فان لم تقابل الصورة الحسناء ، بما يشاكلها و يليق بها من اللباس ، فقد بخستها حقها ، و تضاءلت في عين مبصرها . .

يقول ابن رشيق :

و للشعراء ألفاظ معروفة ، و أمثال مألوفة ، لا ينبغي للشاعر أن يعدوها ، و لا أن يستعمل غيرها ، الا أن يريد الشاعر أن يتظرف باستعمال لفظ أعجمي ، فيستعمله في الندرة ، كما فعل الأعشى و أبو نواس ، فلا بأس في ذلك . 

أما الفلسفة و جر الأخبار ، فله باب آخر غير الشعر ، فان وقع شيء منها فبقدر ، و لا يجب أن يجعلا نصب العين ، فيكونا متكأ و استراحة ،. و انما الشعر ما أطرب و هزّ النفوس ، و حرك الطباع ،. فهذا هو باب الشعر الذي وضع له ، و بني عليه ، لا ما سواه .


........


خالد ع . خبازة 

اللاذقية 

المراجع .. عدد من كتب التراث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق