(في خيمة المتنبي العربية)ذات عشقٍ دخلتُ إلى عالَمِ أبي الطّيبِ المتنبي فسلمتُ عليه وقلت:
-1-
يا سيّدَ الشّعرِ قد أسرجتُ قافيتي
وسارَ نحوكَ منِّي القلبُ والقلمُ
قد ضقتُ صدراً بقولٍ باتَ يَسكنُنِي
على الكهولةِ ، في كتمانهِ الألمُ
والأقربونَ أعابُوا ما أَتيتُ بهِ
فما عبئتُ ، فأنتَ الفيصلُ الحكَمُ
فقال:
(وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ
وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ)
فقلت:
إنّ الحياةَ على ما كنتَ تنعتُها
لا شيءَ بُدِّلَ في الأيّامِ بعدكمُ
يختالُ فيها أخو الدّنيا بمشيتِهِ
بين الأنامِ وتبكي أهلَهَا الشّيَمُ
فقال:
(أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي
وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ)
فقلت:
بكَ الصّدارةُ تستوفي مكانتَها
على التّمامِ فأنتَ الشّاعرُ العلَمُ
في كلِّ شطرٍ تناهى نحو مسمَعِنا
سحرٌ تسامقَ فيه اللّفظُ والنّغَمُ
ما كانَ للشّعرِ بنيانٌ بحاضرِنا
لولا شموخكَ في الوجدانِ يا هرَمُ
فقال:
(فَالخَيلُ وَاللَيلُ وَالبَيداءُ تَعرِفُني
وَالسَيفُ وَالرُمحُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ)
فقلت:
قد قلتَ حقّاً وقد صدَّقتَهُ بدمٍ
لمّا دعاكَ إلى تكذيبِهِ القزَمُ
فكانَ ميلُكَ نحو الموتِ مأثرةً
أجدى من العيشِ لو خلّاكَ تنفصِمُ
فقال:
(أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا
وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ)
فقلت:
من وَحيِ شِعرِكَ قد أملُوا محابرَهمْ
زيتاً يضيءُ إذا ما أطبقتْ ظلُمُ
فكمْ تداولَ مذ أُنبِئْتَ منبرَنا
من الفحولِ فما جاروكَ وانهزمُوا
فقال:
(وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكي
حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ)
فقلت:
القابضونَ على الشّعرِ الذين بهم
مسٌّ منَ العشقِ لا تعصيهمُ الكَلِمُ
والمدّعونَ قريضَ الشّعرِ تنكرُهُم
عندَ الحقيقةِ (رغمَ الصّنعةِ) القِيَم
-2-
فقال:
(وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ
إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ)
فقلت:
كلٌّ يغنّي على ليلاهُ أغنيةً
وحبلُ ليلى عنِ الشُّواذِ منصرِمُ
فكم تمنّى جوازَ الوصلِ (داعيةٌ)
فما استقامَتْ له في الإدّعاءِ فَمُ
معادنُ النّاسِ ألوانٌ وأكرمُهَا
مالا تباعُ على نبضٍ لها ذمَمُ
فقال:
(إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً
فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ)
فقلت:
ما أبشعَ الغدرَ ممّن كنتَ تأملُهُ
في النّائباتِ فقالَ : الٱنَ أنتقمُ
للهِ قومي وقد أمسى توحدُهُم
شأناً نُثمّنُ فحواهُ وننقسِمُ
لله قومي وقد راحتْ تُشتِّتُهُم
في ألفِ دربٍ على أهوائِها الأمَمُ
فقال:
(وَمُرهَفٍ سِرتُ بَينَ الجَحفَلَينِ بِهِ
حَتّى ضَرَبتُ وَمَوجُ المَوتِ يَلتَطِمُ)
فقلت:
يا سيّدَ الشّعرِ كم من ماجدٍ نُصِبَتْ
له الكمائنُ حتّى صار يُهتَضَمُ
فما أصيبَ وقد لاحتْ محاسنُهُ
على الشُّهودِ ، وضلّتْ رميَها التُّهَمُ؟
فاعرضْ بشعركَ عن أُذْنٍ بها وَقَرٌ
هيهات تفلحُ في تبيانهِ الغُشُمُ
فقال:
(ما أَبعَدَ العَيبَ وَالنُقصانَ عَن شَرَفي
أَنا الثُرَيّا وَذانِ الشَيبُ وَالهَرمُ)
فقلت:
لمَنْ سأنعي قناديلاً مُشعشِعَةً
في الحالكاتِ همُ الأقمارُ و النُّجُمُ
إنّ الحياةَ (بظلِّ السّيفِ) مَهلَكَةٌ
أدهى من الموتِ إلّا أنْ يُراقَ دَمُ
فقال:
(لَيتَ الغَمامَ الَّذي عِندي صَواعِقُهُ
يُزيلُهُنَّ إِلى مَن عِندَهُ الدِّيَمُ)
فقلت:
آهٍ علينا فكمْ ضاقتْ بنا سبلٌ
وكم تهاوتْ على عينٍ لنا (قِمَمُ)
لا خيرَ في أُمّةٍ أبناؤها عربٌ
تسوسُ أحوالهَم في (المحفَلِ) العجمُ
فقال:
(شَرُّ البِلادِ بلادٌ لا صَديقَ بِهِا
وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإِنسانُ ما يَصِمُ)
فقلت:
ناديتُ غسّانَ: يا جدّاهُ قد فترَتْ
فينا العروبةُ والأمجادُ والهممُ
القادرونَ يرون الظلّمَ في بلدي
فما تبدّتْ لنا في لائِهمْ نَعمُ
والمعدمونَ على إبصارِهِم صمتُوا
كإنّ أخوانَنا يا حسرتي بكُمُ
فقال:
(أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً
أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ)
فقلت:
ناديتُ عدنانَ: أدركْ منْ بهِمْ نسبٌ
إليكَ يُدعى فإنّ الوضعَ محتدِمُ
اللاهثونَ وراءَ المالِ قِبلتُهم
بنكُ النقودِ وليسَ البيتُ والحرَمُ
ناديتُ أهلي فما قامتْ قيامتُهُم
وما تزحزحَ عن كُرسيْهِ معتصِمُ
فقال:
(يا مَن يَعِزُّ عَلَينا أَن نُفارِقَهُمْ
وِجدانُنا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُم عَدَمُ)
فقلت:
ياليتَ قومي بحبلِ العزَّةِ اعتصَمُوا
ياليتَ قومي إذا ما أَخطؤُوا ندمُوا
ثم أصابتني السّكتةُ ، فقمتُ إلى وداعهِ وإذ به يقول:
(إِذا تَرَحَّلتَ عَن قَومٍ وَقَد قَدَروا
ألا تُفارِقَهُمْ فَالراحِلونَ هُمُ)
محمد ياسين ابراهيم
الأحد، 15 نوفمبر 2020
في خيمة المتنبي... بقلم الشاعر... محمد ياسين ابراهيم
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق