أودعكمْ والحزنُ يَجْتَاح مُهْجَتِي
على مَنْ بَكوا حزناً ومَنْ سَرَّهُمْ بُعْدِي
ومَا ذَاك إلا أَنني مِنْ أرومةٍ
عزيزٌ عليها أنْ يغيضَ الوفا عندي
لَئِنْ كُنتُ قدْ فارقتُ قومي مودعا
فما ذاك مِنْ هَجرٍ لقومي ولا صَدِ
ولكنْ أمورٌ قدْ جرتْ تجعل النَّوى
حبيباً وإن طالتْ مصاحبةُ الجِدِّ
ولستُ بناس في الحمى معهد الصِّبا
تَجُرُّ به ريحُ الصَّبا ناعمَ البُردِ
ولا ناسياً صوبَ الغمام وقَدْ جَرى
نَدَاهُ على ظامي الخميلة بالرِّفدِ
تَهِيجُ صباباتُ الفؤاد لذكرها
إذا ذُكِرَتْ والنارُ تُقدَحُ بالزَّندِ
وتَهتف أَشجار الحنين إذا بَكَى
على غصنِهِ وُرْقُ الحمامِ مِنْ الرَّنْدِ
أراها إذا هَبَّتْ نَسائمُ ذكرها
تَكاد تُذِيبُ الصُّمَّ للحَجَرِ الصَلْدِ
فيا ليتني قدْ كُنتُ فيها كأيكةٍ
تَمِيسُ بها الأغصانُ مَمْكُورَةَ القَدِّ
ويا ليتني قدْ كُنتُ في التَّلِّ نَسْمَةٌ
تمر بِجِزْعِ التَّلِّ في ليلة البَردِ
ويا ليتَ أُمي لَمْ تلدني وليتها
إذا ولدتني لَمْ تَرُحْ بي مِنَ المهدِ
ولَستُ أسيئ الظن بالله إنما
لِحِمْلِ النوى ثِقْلٌ يَشُقُّ على الجَلْد
نَزلتُ (بأزدٍ) والنزيلُ عليهمُ
يكون عزيزا كالمهلَّب في الأزدِ
نَزلتُ عليهمْ بَعدَ بُعدِ مَشقَّةٍ
فأذهبَ عنِّي لُطفُهمْ نَصَبَ الجَهْدِ
أُناسٌ يُحَيُّونَ الغريبَ إذا أَتَى
وهمْ حينما يأتي العدوُّ مِنَ الأُسدِ
فإنْ أنا لَمْ أَحمد جَميلَ صَنيعِهمْ
جَهِلتُ ولَمْ أَعرفْ إذاً طُرُقَ الحَمدِ
فيا مَنْ نَزلنا عِندهمْ دُونَ غيرهمْ
نزولاً جزاكمْ ربُّنا جَنَّةَ الخُلدِ
فَلمْ أَرَكُمْ قَصَّرتمُ غير إنني
على عدم التقصير أَشكو مِنَ الوجدِ
جَزَى الله خيراً مَنْ رَعَانِي برحلتي
ومَنْ كَلَّلُوني بالرياحين والوردِ
فَرِفْقاً بنا إنا بدارٍ غريبةٍ
وإنَّ غَريب الدَّار يُنصح بالرشد
وإنَّ غَريب الدارِ يَكفيهِ هَمّهُ
وما فيهِ مِنْ جَزْرٍ وما فيهِ مِنْ مَدِّ
فلا تُعْجِلُونَا إنْ نَزلنَا بداركمْ
فقدْ كان شدُّ الرَّحل ما مِنْهُ مِنْ بُدِّ
وقدْ كنتُ أَشكو غُربةً في تهامةٍ
وها أنا أشكوها وقدْ صرتُ في نجدِ
فيا أسفا للنازحين بدارهمْ
وإنْ أُُكرموا في غُربة الدارِ والبعدِ
أرى المرء مهما عزَّ في غير أَهلهِ
غريباً وإنْ نَال السماكين في المجدِ
فيا مَنْ تَركناهمْ يُعانون فقدنا
صغاراً وما أَقسى المرارةَ للفقدِ
لَكمْ ربُّنَا والله حسبي وحسبكمْ
بحلٍّ وتِرحالٍ وفي السهلِ والنجدِ
فصبراً فإنَّ النصرَ بالصبرِ يُجتَنَى
كما يُجْتَنَى مِنْ زَهرهِ خالصُ الشُّهدِ
وصبراً إذا سِرتمْ على نُجُب السُّرى
لِوَحْدِكُمُ في مَهْمَهٍ وأنا وحدي
فلو لَمْ تكنْ قد فَرَّقتنَا حوادثٌ
لكنتُ ومَنْ أهوى كَرُوحَيْنِ في بُرْدِ
ولكنْ قَضَاء الله يمضي على الفَتَى
وليس لهُ مما قَضَى اللهُ مِنْ بُدِّ
وإني لأرجو الله فيما قَضَى بهِ
وإنْ كان مُرَّاً أنْ يَبُلَّ الصَّدى عندي
عسى اللهُ بَعد البَيْن يجمع شَملنَا
كما يُجمع الدُّر المهذَّب في عِقدِ
وأَسألُ ربي أنْ يسدَّدَ خطوتي
على الحق حتَى تُدخلَ الرُّوحُ في اللحدِ
🏼 أبو عمر الجعمي