الجمعة، 3 أبريل 2020

خالد ع . خبازة لغتنا الجميلة في علم البيان و البديع البحث الخامس التورية و المقابلة ( من المحسنات البديعية )

لغتنا الجميلة

في علم البيان و البديع

البحث الخامس التورية و المقابلة ( من المحسنات البديعية )

تذكيرا بما بحثناه سابقا و باختصار قلنا

انه من الأفضل على الشاعر أن يكون ملما بهذه المحسنات لما تضفي من الجمال و القوة في بناء البيت الشعري و قلنا 
ان الاستعارة هي ضرب من التشبيه ، و نمط من التمثيل .

يقال : هي استعارة الشيء المحسوس ، للشيء المعقول ( المعنوي ) ، كقوله تعالى :

" و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة "

كما ذكرنا أن الكناية

هي أن يأتي الشاعر بعبارات أو بألفاظ تحمل معان معينة .. و لكن يستشف منها معنى آخر قصده الشاعر

وكذلك ، أن يذكر المتكلم شيئا ، و هو يريد شيئا آخر ، كقولك : فلان نقي الثوب ، أي لا عيب فيه ،

و طاهر الجيب ، أي ليس بغادر ، و قلنا أيضا

الطباق .. علم يعرف به وجوه تحسين الكلام ، بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال ، ووضوح الدلالة . وهو ضربان : ضرب يرجع الى المعنى , و ضرب يأتي على اللفظ . أما المعنوي فمنه :

المطابقة و تسمى الطباق ، أو التضاد أيضا .

كقول أبي صخر الهذلي :

أما و الذي أبكى و أضحك و الذي ... أمات و أحيا ، و الذي أمره الأمر

و الجناس هو التشابه اللفظي ، و التام منه ، أن يتفق اللفظان في نوع الحروف و أعدادها ، و هيئاتها و ترتيبها ، يكون جناسا تاما ، و قد يكون الجناس بين اسمين ، كقوله تعالى :

" و يوم تقوم الساعة ، يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة "

فلفظة الساعة أسم يعني القيامة ، و ساعة يعني الزمن .

و قد يكون الجناس بين اسم و فعل ، كقول أبي تمام :

ما مات من كرم الزمان فانه ... يحيا لدى يحيى بن عبدالله

فيحيا هنا فعل .. و يحيى اسم .. شكلا جناسا تاما

و كقول الشاعر

ناظراه فيما جنت ناظراه ... أو دعاني أمت بما أودعاني

و الأن سنتكلم عن نوعين من المحسنات البديعية

- التورية :

هي أن تكون الكلمة تحمل معنيين انثنين .. فتريد أحدهما ، فتوري عنه بالأخر ..

كقول البحتري :

مرية بالحسن ، تملح بالقلوب و تعذب

أراد الملاحة ، و لم يرد الملوحة .. فورّى عن ذلك ( من التورية ) بقوله و تعذب .

و كقول أبي تمام :

قمر ألقت جواهره ... في فؤادي جوهر الحزن

كل جزء من محاسنه ... فيه أنواع من الفتن

أراد جوهر المتكلمين .. لا جوهر الملوك .

قال عمر بن أبي ربيعة

أيها المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان

فالثريا شآمية اذا ما استقلت ... و سهيل اذا استقل يماني

الثريا مجموعة نجوم في النصف الشمالي من القبة السماوية لذا اشار الشاعر الى أنها شأمية أي شمالية  و سهيل نجم في في النصف الجنوبي منها أي يمكن رؤيته من اليمن  .. و لا يمكن لسهيل و الثريا النجمين أن يجتمعا

و الشاعر ورى بهما عن الثريا  التي زوجها والدها من شخص  سهيل .

و كقول أبي الحسين الجزار :

كيف لا أشكر الجزارة ما عشـ ... ــت حفاظا و أهجر الآدابا

و بها صارت الكلاب ترجيـ .. ــني و بالشعر كنت أرجو الكلابا

فهو لم يقصد الكلاب و انما قصد الولاة و الحكام

- المقابلة :

أن يأتي الشاعر بمعنيين متوافقين ، أو بمعان متوافقة ، ثم بما يقابلهما أو يقابلها على الترتيب ، و المراد التوافق خلاف التقابل ، و قد تتركب المقابلة من طباق و ملحق به ، مثال مقابلة اثنين باثنين . مثال قوله تعالى :

" فليضحكوا قليلا ، و ليبكوا كثيرا " .

و كقول النابغة الذبياني :

فتى تم فيه ما يسر صديقه .. على أن فيه ما يسوء الأعاديا

و كقول الآخر :

فوا عجبا كيف اتفقنا فناصح ... وفيٌّ ، و مطوي على الغل غادر

فان الغل ضد النصح ، و الغدر ضد الوفاء .

و قول أبي الطيب :

فلا الجود يفني المال ، و الجد مقبل ... و لا البخل يبقي المال و الجد مدبر

و مثال على المقابلة أربع بأربع .. و بالأحرى خمس بخمس كما في هذا البيت الرائع لأبي الطيب المتنبي .. ليس من حيث المعنى فقط ، و انما أيضا من حيث المقابلة ، و الذي لم يأت احد من الشعراء بمثله من حيث اتيانه بخمس طباقات في بيت واحد ، و هي مقابلة غاية في الروعة و الجمال  :

أزورها ، و سواد الليل يشفع لي ... و أنثني ، و بياض الصبح يغري بي

أرجو أن أكون قد أوضحت

...

خالد ع . خبازة 
اللاذقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق