الأحد، 19 يوليو 2020

خالد خبازة ... في الشعر وأحكامه وماتعلق به

لغتنا الجميلة

في الشعر و أحكامه .. وما تعلق به

البحث الثاني

كنا تحدثنا في البحث الأول أن ما جاء في هذه الأبحاث هي مجموعة من المعلومات و الأفكار تم نقلها من كتب التراث و تم تجميعها مع التصرف قليلا . كما تكلمنا عن الشعر و تفعيلاته و أصوله التي أتى بها الفراهيدي و أن هذه الأصول مقسمة الى أسباب و أوتاد و فاصلة تحدثنا عنها تفصيلا .. كما تحدثنا عن الشعر بشكل عام و كيف نشأ أصلا على ألسنه الفصحاء العرب و ذكرنا لماذا تم تسميته قريضا كما سميت القصيدة و كيف سميت قافية .. الخ ..
و الآن نتحدث عن :

أثر الشعر و تأثيره في حياة العرب قديما

و ما قيل في الشعر و الشعراء

قلنا ان الشعر علم قديم نشأ بالسليقة على ألسنه فصحاء العرب ، و هو يأتي في ستة عشر بحرا .. كانت تأتي موازية بالفطرة على ألسنة الشعراء قبل أن تهذب عروضه ، أو تفصل ضروبه و قوافيه .

و قد يمتنع الشعر على قائله ، و لا يسلس حتى يبعثه خاطر يطربه ، أو صوت حمامة يشجيه .

قال الفرزدق :

أنا أشعر الناس عند اليأس ، و قد يأتي علي الحين ، و قلع ضرس عندي ، أهون من قول بيت من الشعر .

و قال الشاعر :

انما الشعر بناء ... يبتنيه المبتنونا

فاذا ما نسقوه ... كان غثا أو سمينا

ربما واتاك حينا ... ثم يستصعب حينا

و أساس ما يكون الشعر في أول الليل قبل الكرى ، أو في أول النهار قبل الغداء ، و عند مفاجأة النفس و اجتماع الفكر . و أقوى ما يكون الشعر على قدر قوة أسباب الرغبة أو الرهبة .

قيل للخريمي :

ما بال مدائحك لمحمد بن منصور بن زياد ، أحسن من مراثيك ؟ . قال :

كنا حينئذ نعمل على الرجاء ، و نحن اليوم نعمل على الوفاء ، و بينهما بون بعيد .

و الدليل على صحة هذا المعنى ، و صدق هذا القياس ، أن كثير عزة ، و الكميت بن زيد كانا شيعيين مغاليين في التشيع ، و كانت مدائحهما في بني أمية أشرف و أجود منها في بني هاشم . و ما لذلك علة الا قوة أسباب الطمع .

و قيل لكثير عزة :

يا أبا صخر ! . كيف تصنع اذا عسر عليك الشعر ؟ . قال :

أطوف في الرّباع المحيلة ، و الرياض المعشبة ، فان نفرت عنك القوافي ، و أعيت عليك المعاني ، فروّح قلبك ، و أجم ذهنك ، و ارتصد لقولك فراغ بالك و سعة ذهنك . فانك تجد في تلك الساعة ما يمتنع عليك يومك الأطول ، و ليلك الأجمع .

قال بلال بن جرير سألت أبي جريرا ، فقلت له :

انك لم تهج قوما قط ، الا وضعتهم ، غير بني لجأ ؟ . قال :

يا بني ! . انني لم أجد شرفا فأضعه ، و لا بناء فأهدمه .

و قد يكون الشيء مدحا فيجعله الشعر ذما ، و يكون ذما فيجعله الشعر مدحا .

قال حبيب الطائي " أبو تمام " في هذا المعنى :

و لولا خلال سنها الشعر ما درى ... بغاة الندى من أين تؤتى المكارم

ترى حكمة ما فيه وهو فكاهة ... و يقضى بما يقضى به ، و هو ظالم

وكان بنو عبد المدان الحارثيون ، يفخرون بطول أجسامهم ، و قديم شرفهم ، حتى قال فيهم حسان بن ثابت :

لا باس بالقوم من طول و من غلظ ... جسم البغال و أحلام العصافير

فقالوا له : و الله يا أبا الوليد ، لقد تركتنا و نحن نستحي من ذكر أجسامنا بعد أن كنا نفخر بها . فقال لهم :

سأصلح منكم ما أفسدت . فقال فيهم :

و قد كنا نقول اذا رأينا ... لذي جسم يُــــعد و ذي بيان

كأنك أيها المعطى لسانا ... و جسما من بني عبدالمدان

أما بنو أنف الناقة

فقد كان بنو حنظلة بن قريع بن عوف بن كعب ، يقال لهم : بنو انف الناقة ، يسبّون بهذا الأسم في الجاهلية . ( و سبب ذلك أن أباهم نحر جزورا ، و قسم اللحم ، فجاء حنظلة ، و قد فرغ اللحم ، و بقي الرأس ، و كان صبيا ، فجعل يجره ، فقيل له : ما هذا ؟ فقال : أنف الناقة . فلقب به ، و كانوا يغضبون منه ) حتى قال فيهم الحطيئة :

سيري أمامَ فان الأكثرين حصى ... و الأكرمين اذا ما ينسبون أبا

قوم هم الأنف ، و الأذناب غيرهم ... و من يسوّي بأنف الناقة الذنبا

فعاد هذا الاسم فخرا لهم ، و شرفا فيهم .

و كان يقال أن الواحد منهم ، كان يترك عشيرته و يتسمى باخرى ، خجلا من اسم قبيلته ، الا أنه بعد شعر الحطيئة ، أصبح الآخرون يتسابقون للانتساب اليهم .

و كان بنو نمير أشراف قيس و ذؤابتها ، حتى قال جرير فيهم :

فغض الطرف انك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا

فما بقي نميري الا طأطأ رأسه . حتى أن حبيبا الطائي ضرب المثل بضعة بني نمير بعد شعر جرير . قال :

فسوف يريكم ضعة هجائي ... كما وضع الهجاء بني نمير

... و سيكون لنا معكم لقاء آخر باذن الله

...............

ما قيل في الشعر و الشعراء :

:

جاء في كتاب " العمدة في محاسن الشعر و آدابه " لابن رشيق القيرواني :

قال بعضهم : يقوم الشعر بعد النية على أربعة أشياء : اللفظ و الوزن و المعنى و القافية .

و قال بعض العلماء في الشعر :

بني الشعر على أربعة أركان : المدح و الهجاء و النسيب و الرثاء .
و قالوا : 
قواعد الشعر أربعة : الرغبة و الرهبة و الطرب و الغضب .

فمع الرغبة يكون المديح و الشكر ، ومع الرهبة يكون الاعتذار و الاستعطاف ، و مع الطرب يكون الشوق و رقة النسيب ، و مع الغضب يكون الهجاء و الذم و الوعيد و العتاب الموجع . 
و قال بعضهم : يجمع أصناف الشعر أربعة : المديح و الهجاء و الحكمة و اللهو ، ثم يتفرع من كل ذلك فنون : فيكون من المديح المراثي و الافتخار و الشكر ،. و يكون من الهجاء الذم و العتاب و الاستبطاء ،. و يكون من الحكمة الأمثال و التزهيد و المواعظ ،. و يكون من اللهو الغزل و الطرد و صفة الخمر و المخمور .

و يعتبر العرب أن البيت من الشعر ، كالبيت من الأبنية : قراره الطبع ، و سمكه ( سمك : رفع ) الرواية ، و دعائمه العلم ، و بابه الدربة ، و ساكنه المعنى ،. و لا خير في بيت غير مسكون .
يقول علي بن عبدالعزيز الجرجاني ، صاحب كتاب الوساطة بين المتنبي و خصومه :

الشعر علم من علوم العرب ، يشترك فيه الطبع و الرواية و الذكاء ، ثم تكون الدربة مادة له ، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال ، فهو المحسن المبرز ، و بقدر نصيبه منها ، تكون مرتبته من الاحسان .

و قال بعض العلماء :

الشعر ما اشتمل على المثل السائر ، و الاستعارة الرائعة ، و التشبيه الواقع ، و ما سوى ذلك ، فانما لقائله فضل الوزن . 
و قال عبدالصمد بن المعذّل :

الشعر كله في لفظات ثلاث ، و ليس كل انسان يحسن تأليفها :

فاذا مدحت ، قلتّ أنت ،. و اذا هجوت ، قلتَ لست ،. و اذا رثيت ، قلت كنت .

قال أبو عبدالله وزير المهدي : 
خير الشعر ما فهمته العامة ، و رضيت عنه الخاصة .

و قال ابن المعتز :

قيل لمعتوه : ما أحسن الشعر . قال : ما لم يحجبه عن القلب شيء .

يقولون :

فلان شاعر راوية .. يريدون أنه اذا كان راوية ، عرف المقاصد ، و سهل عليه مأخذ الكلام ، و لم يضق به المذهب .

و سئل رؤبة بن العجاج عن الفحل من الشعراء ، فقال :

هو الراوية ، يريد أنه اذا روى استفحل .

قال يونس بن حبيب :

و انما ذلك فانه يجمع الى جيد شعره ، معرفة جيد شعر غيره ، فلا يحمل نفسه الا على بصيرة .

و قال رؤبة في صفة الشاعر :

لقد خشيت بأن تكون ساحرا ... راوية مرا و مرا شاعرا

فاستعظم حاله حتى قرنها بالسحر .

و قيل :

على الشاعر أن يتجنب سوقي الكلام ، و الحوشي الغريب ، حتى يكون شعره حالا بين حالين كما قال بعضهم :

عليك بأوساط الأمور فانها ... نجاة و لا تركب ذلولا و لا صعبا

و لا يكون الشاعر حاذقا مجودا ، حتى يتفقد شعره ، و يعيد فيه نظره ، فيسقط رديه ، و يثبت جيده ، و يكون سمحا بالركيك منه ، مطرحا له ، راغبا عنه . فان بيتا جيدا يقاوم ألفي رديء .

و قال امرؤ القيس ، و هو أول من زعموا أنه اختبر له ، و علم به أنه يكون أفضل الشعراء و المقدم عليهم :

أذود القوافي عني ذيادا ... ذياد غلام جريء جـرادا

فلمـــا كثرن و عنّيْنـــــه ... تخير منهن شتى جيــادا

فأعزل مرجانها جانبا ... و آخذ من درها المستجادا

فاذا كان أشعر الشعراء يصنع هذا و يحكيه عن ما بنفسه ، فماذا على غيره أن يصنع ؟

و كان أبو نواس يفعل هذا الفعل فينفي الدني و يبقي الجيد .

و قال بعض المتقدمين :

شر الشعر ما سئل عن معناه .

و قال الحطيئة :

خير الشعر الحولي المحكك . أخذ بذلك بمذهب زهير و أوس بن حجر و طفيل الغنوي .

و كان أبو تمام ينصب القافية للبيت ليعلق الأعجاز بالصدور ، و ذلك هو التصدير في الشعر .. و لا يتأتى به الا شاعر متصنع كحبيب و نظرائه . و الصواب أن يصنع الشاعر بيتا لا يعرف قافيته .

و كان البعض يقوم بصنع القسيم الأول من البيت ، ثم يلتمس في نفسه ما يليق به من القوافي بعد ذلك ، فيبني عليه القسيم الثاني .

نكتفي بهذا القدر .. و في البحث بقية ان شاء الله .

.............
خالد ع . خبازة 
اللاذقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق