لغتنا الجميلة
البحث الخامس
الشعر و أوزانه .. في الألفاظ و المعاني :
قيل :
اللفظ جسم .. و الروح هو المعنى , و ارتباطه به ، كارتباط الروح بالجسد ،. يقوى بقوته ، و يضعف بضعفه .
و من الناس من يفضل اللفظ على المعنى ، فيجعله غايته و كده ، يذهبون الى فخامة الكلام و جزالته ، على مذهب العرب من غير تصنع .. كقول بشار بن برد من الطويل و القافية من المتدارك :
اذا ما غضبنا غضبة مضرية ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
اذا ما أعرنا سيدا من قبيلة ... ذرى منبر صلى علينا و سلما
وهذا النوع ، أدل على القوة .. و ما يمدح به الملوك و أصحاب الشأن ، يجب أن يكون على هذا النحت .
و هناك فئة من أصحاب الجلبة و القعقعة بلا طائل معنى ، الا القليل النادر .
كقول القاسم بن هانئ الأندلسي ، من الطويل :
أصاخت فقالت : وقع أجرد شيظم ... و شامت فقالت : لمع أبيض مخذم
و ما ذعرت الا لجرس حليّها ... و لا رمقت الا برىً في مخدّم
فـأنت لا ترى في ذلك الا الفساد ، و خلاف المراد .. و الا فما هي الفائدة أن التي تغزلت بها ، أكانت لبست حليها فتوهمته بعد الاصاخة و الرمق ، أكان وقع فرس ، أو لمع سيف ؟! غير أنها مغزوة في دارها ، أو جاهلة بما تحمل من زينتها ؟ّ
غير أن أبا القاسم هذا مع صنعة طبعه ، فاذا أخذ بالحلاوة و الرقة ، و عمل على طبعه و سجيته ، فقد دخل في جملة الفضلاء .
و يقع له أحيانا من الكلام المصنوع و المطبوع أشياء جيدة ، كقوله في المطبوع يصف شجعانا .. من الكامل :
لا يأكل السرحان شلو عقيرهم ... مما عليه من القنا المتكسر
و العقير منهم .. أي القتيل .. يوصف بالشجاعة .. لم يمسِ لشجاعته حتى تتحطم عليه من الرماح ما لا يستطيع الذئب معها الوصول اليه لكثرة هذه الرماح . و هذا معنى رائع .
و لو أن العقير هم الذين عقروه ، لكان هجوا لهم لا مدحا .. لأنهم تكاثروا على واحد .
و من الناس من يؤثر المعنى على اللفظ ، فيطلب صحته ، و لا يبالي باللفظ أكان هجينا أم قبيحا أم خشنا
و ان أكثر الناس هم على تفضيل اللفظ على المعنى .
و قالت العلماء :
اللفظ أغلى من المعنى ثمنا ، و أعز مطلبا .. فان المعاني موجودة في طباع الناس ، يستوي فيها الجاهل و الحاذق ،. و لكن الأصل هو العمل على جودة الألفاظ ، و حسن السبك ، و صحة التأليف .
و قد مثّل ابن وكيع المعنى بالصورة ، و اللفظ بالكسوة ،. فان لم تقابل الصورة الحسناء ، بما يشاكلها و يليق بها من اللباس ، فقد بخستها حقها ، و تضاءلت في عين مبصرها . .
يقول ابن رشيق :
و للشعراء ألفاظ معروفة ، و أمثال مألوفة ، لا ينبغي للشاعر أن يعدوها ، و لا أن يستعمل غيرها ، الا أن يريد الشاعر أن يتظرف باستعمال لفظ أعجمي ، فيستعمله في الندرة ، كما فعل الأعشى و أبو نواس ، فلا بأس في ذلك .
أما الفلسفة و جر الأخبار ، فله باب آخر غير الشعر ، فان وقع شيء منها فبقدر ، و لا يجب أن يجعلا نصب العين ، فيكونا متكأ و استراحة ،. و انما الشعر ما أطرب و هزّ النفوس ، و حرك الطباع ،. فهذا هو باب الشعر الذي وضع له ، و بني عليه ، لا ما سواه .
........
خالد ع . خبازة
اللاذقية
المراجع .. عدد من كتب التراث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق