السبت، 21 نوفمبر 2020

لغتنا الجميله...بقلم الشاعر ...خالد خبازة

 لغتنا الجميلة

البحث الخامس عشر

في الفصاحة  و البلاغة

كثيرا ما يتساءل المرء : ماهي الفصاحة وما هي البلاغة ؟ و هل الفصاحة هي نفسها البلاغة ؟

يعتقد الكثيرون أن الفصاحة هي نفسها البلاغة . و لكن في الحقيقة لكل منهما معنى يختلف عن الآخر .

و أكثر البلغاء ، لا يكادون يميزون بين الفصاحة و البلاغة ، بل يستعملونها استعمال الشيئين المترادفين ، على معنى واحد ، في تسوية الحكم بينهما .

فاجدادنا العرب ، ميزوا و فرقوا بين الفصاحة و البلاغة

قال ابن المعتز :

" البيان ترجمان القلوب و صيقل العقول "

و قال الجاحظ :

" البيان اسم جامع لكل ما كشف لك عن المعنى " .

و البلاغة ، فانها من حيث اللغة أن يقال :

بلغت المكان ، أي أشرفت عليه ، و ان لم تدخله .

و البلاغة وضوح الدلالة ، و انتهاز الفرصة ، و حسن الاشارة ، كما يقول البعض .

و يقول آخرون : البلاغة تصحيح الأقسام ، و اختيار الكلام . و البليغ يجب أن يكون قليل اللفظ ، كثير المعنى .

و قيل ان معاوية سأل عمرو بن العاص من أبلغ الناس . قال :

أقلهم لفظا، و أسهلهم معنى ، و أحسنهم بديهة .

و قال أبو عبدالله وزير المهدي :

البلاغة ما فهمته العامة ، و رضيت به الخاصة .

و سئل بعضهم عن البلاغة فقال :

كلام و جيز معناه ، الى قلبك أقرب من لفظه الى سمعك .

و قال جعفربن محمد الصادق (رضي الله عنه) :

انما سمي البليغ بليغا ، لأنه يبلغ حاجته بأهون سعيه .

و قال المفضل الضبي : سألت أعرابيا عن البلاغة فقال :

الايجاز في غير عجز ، و الاطناب في غير خطل .

و قيل للعتابي : ما البلاغة . فقال :

من أفهمك حاجته من غير اعاقة ولا حبسة و لا استعانة .

و سئل بعض الحكماء عن البلاغة فقال :

من أخذ معان كثيرة فأداها بألفاظ قليلة ، و أخذ معان قليلة ، فولد منها ألفاظا كثيرة ، فهو بليغ .

ومن أعلى درجات البلاغة في الكلام المنثور ، قوله تعالى :

" و قيل يا أرض ابلعي ماءك ، و يا سماء أقلعي ، و غيض الماء و قضي الأمر و استوت على الجودي .. "

و قوله أيضا :

" فاصدع بما تؤمر " .

ومن البلاغة في القول المنظوم قول امرؤ القيس :

قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل ..

فانه وقف و بكى و استبكى و تغزل بذكرى الحبيب و المنزل ..

و ذلك بنصف بيت فقط ..

أما الفصاحة :

يقول الامام فخر الدين الرازي :

اعلم ان الفصاحة ، خلوص الكلام من التعقيد ، و أصلها من قولهم : أفصح اللبن ، اذا أخذت عنه الرغوة . و يقال أفصح الصبح ، اذا انكشف و بدا . و كل واضح مفصح .

و يزعم بعضهم ، أن البلاغة في المعاني ، و الفصاحة في الألفاظ و يستدل بقولهم :

معنى بليغ و قول فصيح .

و الكلام الفصيح ، هو اللفظ الحسن المألوف في الاستعمال ، بشرط أن يكون معناه المفهوم منه صحيحا حسنا .

ومن المستحسن في الألفاظ ، تباعد مخارج الحروف ، فان كانت بعيدة المخارج ، جاءت الحروف متمكنة في مواضعها ، غير قلقة و لا مكدودة ، ومن الأمثلة على تقارب المخارج و قلق الحروف كقول بعضهم :

و قبر حرب بمكان قفر ... و ليس قرب قبر حرب قبر

فلا يستطيع قارئ هذا البيت أن يقرأه عشر مرات متتالية ، الا أن يقع في الغلط بالقراءة . ذلك أن القرب بين المخارج يجعل النطق به صعبا .

في البلاغة و الفصاحة و الشعر

 وهل الفصاحة هي البلاغة ؟

معجم لسان العرب " لابن منظور: ", و البيان وفقا لما ورد في

ما بُيـــِن به الشيء من الدلالة . و بان الشيء بيانا : اتضح فهو بيــِّنٌ ، و الجمع أُبَيْــناء ، مثل هين : أُهـَـيْنـاء و كذلك أبان اشيء فهو مبين الفصاحة . .

 و البلاغة : او البـَلْغ و البِـلْغ : البليغ من الرجال . و رجل بليغ : أي حسن الكلام فصيحه ، يبلغ بلسانه كنه ما في قلبه ، و الجمع بلغاء 

 وقال بعضهم في البلاغة:

 كلام وجيز ، معناه الى القلب أقرب من لفظه الى سمعك .

 و قال خالد بن صفوان : هو اصابة المعنى ، و القصد الى الحجة

 و قيل :قلة الكلام و ايجاز الصواب 

 ...

 و الفصاحة هي غير البلاغة .. والبلاغة أن تأتي المعنى بأقل الألفاظ - 

 قال معاوية لصُحار بن العباس العبدي :

ما هذه الفصاحة فيكم عبدالقيس ؟ . قال 

 شيء يختلج في صدورنا فتقذفه ألسنتنا ، كما يقذف البحر الزبد . قال: 

 فما البلاغة عندكم ؟ .

قال : أن نقول فلا نخطئ ، و نجيب فلا نبطئ . ثم قال :

 أقلني يا أمير المؤمنين . قال : قد أقلتك . قال :لا تبطئ و لا تخطئ .

 قال أبوحاتم : استطال الكلام الأول ، فاستقال ، و تكلم فاوجز .

 .... 

 و من الأمثلة على البلاغة:

و قفت امطرأة على قيس بن سعد بن عبادة ، فقالت :

أشكو اليك قلة الجرذان . قال :

 ما أحسن هذه الكناية ! .. املؤوا بيتها خبزا و لحما و سمنا و تمرا .

.... 

 قيل لشبيب بن شيبة عند باب الرشيد :

 كيف رايت الناس ؟ . قال :

 رأيت الداخل راجيا ، و الخارج راضيا,

...

أمر هارون الرشيد جعفر البرمكي ، أن يعزل أخاه الفضل من الخاتم ، و يأخذه اليه عزلا لطيفا . فكتب اليه :

 قد رأى أمير المؤمنين أن ينقل خاتم خلافته من يمينك الى شمالك . فكتب اليه الفضل :

 ما انتقلت عني نعمة صارت اليك ، و لا خصتك دوني 

........

نظر أعرابي الى رجل سمين . فقال :

 أرى عليك قطيفة من نسج أسنانك .

.. 

 قال رجل للعتابي : 

 ما البلاغة . قال :

 كل من بلغك حاجته ، و أفهمك معناه ، بلا اعادة و لاحبسة ، و لا استعانة ، فهو بليغ . قالوا :

 قد فهمنا الاعادة و الحبسة ، فما الاستعانة .؟ . قال:

 أن يقول عند مقاطع كلامه : اسمع مني ، و افهم عني ، أو يمسح عثنونه ، أو يفتل اصابعه ، أو يكثر التفاته من غير موجب ، أو يتساعل من غير سعلة ، أو ينبهر في كلامه .

و قال الشاعر :

مليء ببهر و التفات وسعلة ... و مسحة عثنون ، و فتل أصابع 

.....

سئل بعضهم عن الشعر فقال : ما لم يحجبه شيء عن القلب .

و قال الأصمعي : الشعر ما قل لفظه ، وسهل و دق معناه ولطف ، و الذي اذا سمعته ، ظننت أنك تناله ، فاذا حاولته ، وجدته بعيدا ، و ما عدا ذلك فهو كلام منظوم .

 و قال بعض البلغاء : الشعر عبارة عن مثل سائر ، و تشبيه نادر ، واستعارة بلفظ فاخر .

 و قال حسان بن ثابت :

وان أحسن بيت أنت قائله ... بيت يقال اذا أنشدته صدقا

و قال احمد شوقي :

و الشعر ان لم يكن ذكرى و عاطفة... أو حكمة ، فهو تقطيع و أوزان

و قال حسان بن ثابت أيضا :

و انما الشعر عقل المرء يعرضه ... على البرية ان كيسا و ان حمقا

....

مع التصرف و الاختصار ، من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للأبشيهي .

و من كتاب " نضرة الاغريض في نصرة القريض " للمظفر العلوي .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق