لا تبكِ ياحبيبتي**********
حاولتُ ألفَ مرَّةٍ أن أعبرَ الحدودَ..
أن أُحطِّمَ القيودَ أن أُذوِّبَ الجليدَ..
أن أُعانِقَ المجهولَ..
في حرارةِ اللِّقاءِ أو مرارةِ الفراق ..
غيرَ أنَّني يئستُ. . بل عجَزتُ..
عانقت مشاعري الضَّياعَ والفراغَ والنَّدمْ
وعَرْبَدَتْ بقلبيَ الجريح ..
كلُّ قسوة الحياةِ والعَدَمْ
أصبحتُ كالمجنونِ في بَيْدائهِ
ليلى بعينهِ الرِّمالُ والسَّرابُ والقمرْ
وكلُّ لَفحةٍ من السَّمومِ نَسمةٌ تَمَرُّ ..
تحملُ العبيرَ والأَخبارَ عن لَيلاهُ والسِّيَرْ
وعن رحيلِ الحيِّ..أين سارت الأظعانُ..
فوقها الجمالُ والجلالُ والدَّلالُ والخَفَرْ
وكلُّ دَفقةٍ من الغيومِ..
في انسكابها مدامعُ الوجودِ..
تندُبُ الأَطلالَ بعدَهم ..
أطلالَ نفسِ شاعرٍ أحبَّ واحتَرَقْ
ونادمَ النُّجومَ ألفَ ليلةٍ من عُمرِهِ ..
وكان يعشَقُ الظلامَ والأرقْ
وماتَ ذلكَ المجنونُ ذاتَ ليلةٍ
نعم ..
كما يموتُ سائرُ البشرْ !
لكن بَكتْهُ كلُّ ذرةٍ من الرِّمالِ..
دمعُها انهملْ..
ناحتْ عليهِ كلُّ نجمةٍ ..
بَريقُها انْحَبسْ
وكلُّ ظبيةٍ كحيلةِ العينين مثل ليلى..
جَفنُها يَـبِـسْ
واللّيلُ قد أقامَ مأتماً..
توشَّحَ الظلامَ فيهِ وانتحَبْ
والبيدُ والجبالُ والظلالُ والوحوشُ..
كلُّها بَكتْهُ.. والقمرْ ..
وعندما أموتُ ..
مَنْ تُرى يَبكي عَلَيَّ..؟
مالكُ بنُ الرَّيبِ ..
كان قد بكاهُ سيفُهُ ..
ورُمحُهُ الطويلُ والفَرَسْ
وطَرفةُ بن العبدِ..
قبل أن يودِّعَ الحياةَ ..
كان قد أرادَ أن تَشُقَّ جيبَها عليهِ بنتُ مَعْبَدِ
وأن تنعاهُ مثلما يُنعَى كرامُ الحيِّ ..
وسطَ المشْهَدِ .
وفي مَعَرَّةِ النُّعمان عاش شاعرٌ ..
وصاحَ ذاتَ مرَّةٍ وقالَ..
غيرُ مُجــــدٍ يا فَـقيهْ .
غيرُ مُـجــدٍ ..؟؟
هل قرأتَ سِفْرَ الجامعة ؟
أباطلٌ كلُّ البكاء والفرحْ ؟
أكلُّ هذه الحياةُ قبضُ ريحْ ؟
أليس تحت الشَّمس من جديد ؟
نعم ..
حاولتُ ألفَ مرةٍ ولا جديد .
لا تبكِ ياحبيبتي...
سيزيف ما بَكَتْهُ غيرُ صخرةِ العذابْ
ما افظعَ الجلادَ حين يبكي !!
وما أمَرَّ دمعَهُ والسَّوطُ في يديهْ !
لاتبكِ يا حبيبتي ...
عيناكِ ما للدَّمعِ والأسى ..
عيناكِ فرحةُ الحياة كلِّها..
عيناكِ شاطيءُ الأحلام ..
أبحَرتْ سَفائِنُ الأشواقِ نحوهُ ..
ولم يَزَلْ أُوليسُ .. يا حبيبتي..
يصارعُ الرِّياحَ .. والأَمواجَ ..
والمجهولَ والقدرْ.
بشير عبد الماجد بشير
الـسُّـودان
من ديوان ( اشتات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق