الخميس، 10 فبراير 2022

(في حضرةِ ابي الطّيّب المتنبي) شعر ورسم/ غزوان علي


(في حضرةِ ابي الطّيّب المتنبي)

هي القصـــــــــائدُ تُضريني فاحتـدمُ

       ولي تقرُّ قوافي الشّعــــــرِ تحتكــــمُ

بكرُ المعانيَ قرّتْ لي مبايعـــــــــــةً

         أصوغُ منهــــا الذي ارضى وابتسمُ

عرائسُ الفكرِ تأتي وهيَ طائعــــــةٌ

       مثلَ الأميرةِ يمشي خلفَهـــــا الخدمُ

تخطو ومن حولِها الأنظارُ عاشقـةٌ

       مسحورةً تقتفي خطواتهـــــا النّسمُ

قد بايعتني على الإبداعِ قـــــــافيتي

       تلكَ التي تحتذي آثارهُـــــــــا الأممُ

قد أُشعـــلُ الأرضَ والدّنيا ببادرتي

          واُسمعُ الصّمَّ لو في سمعِهم صممُ

استنزلُ النّجمَ من عليائِهِ أنفــــــــاً

           وأقنصُ البرقَ في ايمــاضِهِ ضرمُ

ملكتُ مملكةَ الإبداعِ أجمعُهـــــــــا

        فمنْ فمي تؤخذُ الآدابُ والحكـــــمُ

كأنّمــا الشّعرا الماضونَ بي بُعثوا

        وألفُ جيلٍ من الإبداعِ يُنتظــــــــمُ

كأنّني رائدُ الفصحى وفارسُهــــــا

         إنْ كنتُ غنّيتُ بيتاً تضــرمُ السُّدمُ

وما تعسّرَ  بيتٌ عندَ مولــــــدِهِ

          أنْ اشعرَ الخلقِ منْ يعنو لهُ النّغمُ

تمضي الليالي بشعري وهي صادحةٌ

           وشعرُ بعضهمُ هذراً وإنْ زعمـــوا

يُفني الرّديءُ من الأشعارِ صاحبهُ

       وجيّدُ الشّعرِ لا يعتادُهُ الهــــــــــرمُ

والشّاعــــرُ الفذُّ من كانتْ قصائدهُ

       مثلَ الثّواقبِ لا ترقى لهـــــا الظُّلمُ

وإنّ اشعــــرَ بيتٍ أنتَ قائلُــــــــــهُ

         بيتٌ من الشّعرِ إلاّ أنّهُ حِكــــــــــمُ

هذا أنا مالئُ الدّنيا وشاغلُهـــــــــا

        إنْ قلتُ شعـــــراً بهِ الأيّام تعتصمُ

وينشدُ الدّهـــرُ ما ألقيهِ من أدبي

        كأنّما في فمي مالم يقلــــــــــهُ فمُ

أزهو بغرِّ القوافي حينَ أنشدُهـــا

         تخطّفتهــــا يدُ الأزمانِ تزدحـــــمُ

ولي من الشّعرِ ما أعيى الفصيحُ بهِ

        كأنّمــــــــا بقريضي يُختمُ الكَلـــمُ

تظلُّ في يدي الأقــــلامُ ساجــــدةً

          وظلُّ شعري بموقِ العينِ يرتسمُ

وشاعــــــرٍ هـزلٍ في جنحِهِ خَوَرٌ

         وإنْ تمخّضَ في اعمـــــــاقِهِ قَزمُ

ومدعٍ لم ينلْ غير النّكــــوصِ بهِ

       فكانَ كالتّيسِ بالفولاذِ يصطــــدمُ

قد يُرى الصّعوُ مزهـــواً بطلعتِهِ

          وإنْ بدا لكَ لم تبصـــــرْ لهُ شيمُ

يُمنّيَ النّفسَ شعروراً يقــــالُ لهُ

         وفي المجالسِ لم يُنصبْ لهُ علمُ

إنَ الخفافيشَ مهما شاغبتْ غِرداً

         فشأنُها النّفخُ أنْ خارتْ بها الهممُ

لنْ يُسكتَ البلبلُ الغرّيدُ جعجعـــةً

         وإنْ رغتْ حولهُ الأوباشُ والنَّعمُ

ما هم سوى طبلةٍ والطّبلُ فارغةٌ

        عليهمُ قد عفا النّسيانُ والعــــدمُ

لا يعــــجبنَّ الذي في ثوبهِ دنسٌ

        بعضُ الثّيابِ على أجسادِها رِممُ

إنَّ الذينَ أماتوا الشّعرَ ما شعروا

         بأنْ عليهمْ بيوتُ الشّعرِ تنهـــدمُ

لا ينظمُ الشّعرَ إلاّ منْ لهُ خلقــوا

         والبعضُ أولى بهِ الأحجارُ يلتقمُ

عندي لأمثالهم سبعونَ محرقــةً

        شواظُ برقي لهم حُرقٌ بهِ طُعموا

قد يقدمُ الهرُّ من خوفٍ ومن رَهَبٍ

      ويحجمُ الليثُ هزواً وهـــو يبتسمُ

يستأسدُ الضّبعُ في السّاحاتِ منفرداً

      فإن أحسَّ بخطو الأسُدِ ينهـــــــزمُ

إذا رأيتَ أكفَّ الحــــــرِّ خـــــــاليةً

     فما سوى الحظِّ لا الأشخاصَ تتهمُ

قد يحــــرمُ الحظُّ  ذا علمٍ وذا أدبٍ

        وتُرزقُ البومُ والضّربانَ والبهـــمُ

سيعلمُ الجمعُ أنّ الدّستَ مـرتبتي

   وأنْ تصدّرَ صدرُ الدّستِ من غشموا

إنّي شهـــــدتمُ اغضوا على حُنقٍ

       إذا خطرتُ عرا ارواحُهـــــــم ألمُ

حطمتُ لاتهمُو إذ لا حياةَ بهــــــا

    ولي على كلِّ رأسٍ حاقدٍ قــــــــدمُ

نحوي يديرونَ أحداقــــــاً مكسّرةً

   كأنّني الموتُ في أحداقِ من جهموا

لا شيءَ هم في عدادِ الصّفرِ مرتبةٌ

      وإن يروا جمعهم كثراً فقد وهموا

وأنْ نفختُ عليهـــم عاصفاً بفمي

      طاروا غباراً بكعبِ الشّسعِ يرتطمُ

وهالهـــــــم أنّني كالشّمسِ زاهيةٌ

    يمشي بي المجدُ لا عيٌّ ولا فــــدمُ

مثلُ الجنادبِ كانوا في مدارجِهـــا

    أنا العُقابُ إذا باغتهم وجمـــــــــوا

ما ضرّني حسدُ الباغينَ ما شغبوا

      موقُ اللئامِ يُرى فيها الذي كتمـوا

ولستُ أسلمُ للأوغــــــادِ ناصيتي

      لا سالمتني يدُ الأقدارِ أنْ سلمــوا

ما كنتُ أرخصُ للأيّامِ عن قـدري

    ما دامَ طوعَ يدي سيفاً ليسَ ينثلمُ

أن لم يكنْ لي بأرضِ اللهِ منتجعاً

   شحذتُ عزماً ومنّي البأسُ مضطرمُ

زرعتُ في كلِّ أرضٍ ألفَ صاهلةٍ

       وما ثنتْ همــــــتي دربٌ ولا إزمُ

وحدي ومهري وهذا الطّيرُ ثالثُنا

      ووحشــــــــة برئاتِ الرّوحِ تنكتمُ

يكادُ يثقبُ قلبَ الأرضِ حافرُهــــا

       إذا جرتْ كمروقِ السّهمِ تقتحـــمُ

صاحبتُ سيفيَ والأطيارُ في سفري

      والنّجمُ والغولُ والسّعلاةُ والرّخمُ

أعددتُ للشاعرِ المهزوزِ قارعةً

         تسيمهُ الذّلّ حدّ  الظّهـرِ ينقصمُ

نقُّ الضّفادعِ قد أكدى بهـــا تعباً

       حتّى توارتْ بجـــرحٍ ليسَ يلتئمُ

...........

شعر ورسم/ غزوان علي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق