( هُروبٌ)تَعالَيْ نَفِرَّ إِلى غَابَةٍ
لِنَرتَاحَ مِنْ مُوبِقاتِ البَشَرْ
أَلَمْ تَسأَمِيْ عَالَمَاً زَائِفَاً ؟
تَطايَرَ مِنْ مُقلَتَيْهِ الشَّرَرْ
أَلَمْ تَتعَبِيْ مِنْ خِداعِ الوَرىَ؟
وَأَفئِدَةٍ جُلُّهَا كَالحَجَرْ ؟
أَلَسنَا وَهُمْ قَد أَحاطُوا بِنَا
نُحِسُّ بِوَحدَتِنا والضَّجَرْ؟
فَأَيْنَ الوَفاءُ ؟ وَأَيْنَ الهَوَى؟
وَقَد صارَ أَكرَمَهُمْ مَنْ غَدَرْ؟
وَماذا سَيَبقى لَنَا بَيْنَهُمْ
سِوى خَوفِنا مِنْهُمو والحَذَرْ؟
تَعالَيْ لِنَقطُنَ فِي غَابَةٍ
فَكُلُّ الهُمومِ بِها يُخْتَصَرْ
وَفِيْها الهُدُوءُ وَوَحيُ الجَمالِ
وَفِيْها الرُّؤى تَنْتَشي والفِكَرْ
وَفِيْها الصَّفاءُ، وفِيها الهَواءُ
عَلِيلٌ ، وَطَيْرٌ شَجِيُّ الوَتَرْ
أَلَستِ تُحِسِّينَ مِثلِيْ المِلالَ
وَأَنَّ الحَياةَ غَدَت فِيْ خَطَرْ؟
تَعالَيْ نَذُبْ فِي بَهاءِ الشُّروقِ
وسِحرِ الغُروبِ خِلال الشَّجَرْ
سَنَأْكُلُ مِنْ طَيِّباتِ الثِّمارِ
وَنَرشُفُ مِن سَلْسَبِيلِ النَّهَرْ
وَنَأويْ مَساءً إِلى كُوخِنَا
نَبُثُّ حَديثَ الهَوى والسَّمَرْ
حَضَارَتُنَا عَقَّدَت عَيْشَنَا
وباتَ الفُؤادُ بِهَا يُعتَصَرْ
فَفِي كُلِّ يَومٍ لَنَا حاجَةٌ
تَجِدُّ ... لَكَمْ زَادَ فِيْنا البَطَرْ
غَدَونا نَعِيشُ لِأَجسَادِنا
وَأَرواحُنا أَمعَنَت في السَّفَرْ
نَظُنُّ السَّعادَةَ فِي لُقمَةٍ
وَعَبرَ جِهازٍ يَبُثُّ الصُّوَرْ
وَعَبْرَ حُروفٍ يَتُمُّ الوِصَالُ
وَنَسمَعُ مِنْ كُلِّ قُطرٍ خَبَرْ
لَكَم آلَةٍ خَفَفَت جُهدَنا
وأمسَت بِقِيمتِها كالدُّرَرْ
فَرِحنا بِها عِندَ إِحضارِها
وكَمْ خَطَفَت عَقلَنا والبَصَرْ
ولكِنْ بِرَغْمِ ازدِيادِ الرَّفاهِ
وأُسلُوبِ عَيْشٍ يُرِيحُ البَشَرْ
تَراجَعَ فِينا نَقاءُ القُلوبِ
وَكُلُّ جَمِيْلِ الخِصالِ انْحَدَرْ
وزادَت مَتاعِبُ أَعصَابِنَا
وَحَلَّ السَّقامُ وَعَمَّ الضَّجَرْ
تَعَالَيْ نَفِرَّ إِلى غابَةٍ
وعِندَ الصَّباحِ نَشُمُّ الزَّهَرْ
شعر ؛ زياد الجزائري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق