لغتنا الجميلة
في الشعر و أوزانه
البحث السادس عشر
في اختلاف القدماء حول أشعر الشعراء .. القسم الثاني
كنا تحدثنا في حلقة سابقة عن ما جاء في كتاب " العقد الفريد " جول الشعر و الشعراء
نورد في هذه الحلقة ما جاء في
كتاب " العمدة في محاسن الشعر و آدابه " لابن رشيق القيرواني
كان علي (رضي الله عنه) يقضل امرأ القيس ، على الشعراء بقوله :
رأيته أحسنهم نادرة ، و أسبقهم بادرة , و أنه لم يقل لرهبة أو رغبة .
و قد قال العلماء في الشعراء :
ان امرأ القيس لم يتقدم الشعراء لأنه قال ما لم يقولوا ، و انما سبق الى أشياء فاستحسنها الشعراء ، و اتبعوه فيها . لأنه قيل : أول من لطّف المعاني ، و استوقف على الطلول ، ووصف النساء بالمها و الظباء و البيض ، و شبه الخيل بالعقبان و العصي ، و فرق بين النسيب و ما سواه من القصيد ، و قرّب مأخذ الكلام ، فقيد الأوابد ، و أجاد الاستعارة و التشبيه .
روى الجمحي أن سائلا سأل الفرزدق : من أشعر الناس ؟ . فقال : ذو القروح .
قال : حيث يقول ماذا ؟ .
قال : حيث يقول :
وقاهم جدهم ببني أبيهم ... و بالأشقين ما كان العقاب
و أما " دعبل " فقد قدمه بقوله في وصف عقاب :
ويْلُمِّها من فضاء الجو طالبةً ... و لا كهذا الذي في الأرض مطلوب
و هذا عنده أشعر بيت قالته العرب .
و كان الحذّاق يقولون :
الفحول في الجاهلية ثلاثة ، و في الاسلام ثلاثة متشابهون :
زهير و الفرزدق ، و النابغة و الأخطل ، و الأعشى و جرير .
و كان " خلف الأحمر " يقول
الأعشى أجمعهم .
و قال أبو عمرو بن العلاء :
مثله مثل البازي ، يضرب كبير الطير و صغيره .
و كان أبو الخطاب " الأخفش " يقدمه جدا و لا يقدم عليه أحدا .
و حكى الأصمعي عن بن أبي طرفة :
كفاك من الشعراء أربعة :
زهير اذا رغب ، و النابغة اذا رهب ، و الأعشى اذا طرب ، و عنترة اذا طلب .
و زاد قوم : و جرير اذا غضب .
و قيل لكثير : من أشعر العرب ؟ . قال :
امرؤ القيس اذا ركب ، و النابغة اذا رهب ، و الأعشى اذا شرب .
و كان أبو بكر (رضي الله عنه ) يقدم النابغة . و يقول :
هو أحسنهم شعرا ، و أعذبهم بحرا ، و أبعدهم قعرا .
و سئل الفرزدق : من أشعر العرب ؟.
قال : بشر بن أبي خازم .
قيل : بماذا ؟ . قال : بقوله :
ثوى في ملحد لا بد منه ... كفى بالموت نأيا و اغترابا
ثم سئل جرير ، فقال :
بشر بن أبي خازم . لقوله :
رهين بلى و كل فتى سيبلى ... فشقي الجيب ، و انتحبي انتحابا
قال أبو عبيدة :
أصحاب السبع التي تسمى " السمط " :
امرؤ القيس ، و زهير و النابغة ، و الأعشى ، و لبيد ، و عمرو بن كلثوم ، و طرفة .
و قال المفضل :
من زعم أن في السبع التي تسمى " السمط " غير هؤلاء ، فقد أبطل .. فأسقط من أصحاب المعلقات عنترة و الحارث بن حلزة ، و أثبت الأعشى و النابغة .
و كانت المعلقات تسمى " المذهبات " لأنها اختيرت من سائر الشعر ، فكتبت في القباطي بماء الذهب ، و علقت على الكعبة ، فلذلك يقال :
مذهبة فلان .. اذا كانت أجود شعره . ذكر ذلك غير واحد من العلماء .
و قيل :
بل كان الملك ، اذا استجيدت قصيدة الشاعر يقول :
علقوا لنا هذه ، لتكون في خزانته .
و سئل الحطيئة عن أشعر الناس ، فقال : أبو دؤاد . حيث يقول :
لا أعد الاقتار عدما و لكن ... فقد من قد رزئته الاعدام
و هو و ان كان فحلا قديما ، و كان امرؤ القيس يتوكأ عليه ، و يروي شعره ، فلم يقل فيه أحد من النقاد مقالة الحطيئة .
و زعم ابن أبي الخطاب ، أن أبا عمرو ، كان يقول :
أشعر الناس أربعة :
امرؤ القيس ، و النابغة ، و طرفة ، و المهلهل .
سئل الفرزق فقال :
امرؤ القيس أشعر الناس ،
و سئل جرير فقال :
النابغة أشعر الناس .
و قال الأخطل :
الأعشى أشعر الناس .
و قيل لنصيب مرة : من أأشعر العرب ؟ . فقال :
أبو تميم ، يعني علقمة بن عبدة . و قيل : أوس بن حجر .
و ليس لأحد من الشعراء بعد امرئ القيس ، ما لزهير و النابغة و الأعشى في النفوس .
و الذي أتت به الرواية عن يونس بن حبيب النحوي :
أن علماء البصرة كانوا يقدمون امرأ القيس ، و أهل الكوفة ، كانوا يقدمون الأعشى ، و أن أهل الحجاز و البادية ، كانوا يقدمون زهيرا و النابغة ، و كان أهل العالية لا يعدلون بالنابغة أحدا ، كما أن أهل الحجاز لا يعدلون بزهير أحدا .
أما النابغة ، فقال من يحتج له :
كان أحسنهم ديباجة شعر ، و أكثرهم رونق كلام ، و أذهبهم في فنون الشعر ، و أكثرهم طويلة جيدة ، و مدحا و هجاء ، و فخرا و صفة .
و قالت طائفة من المتعقبين :
الشعراء ثلاثة .. فجاهلي ، و اسلامي ، و مولد ..
فالجاهلي امرؤ اقيس ، و الاسلامي ذو الرمة ، و المولد ابن المعتز . و هذا قول من يفضل البديع ، و بخاصة التشبيه على جميع فنون الشعر .
و طائفة أخرى تقول :
بل الثلاثة .. الأعشى و الأخطل و أبو نواس . و هذا مذهب أصحاب الخمر ، و ما ناسبها . و من يقول بالتصرف و قلة التكلف .
و قال قوم :
بل الثلاثة المهلهل و ابن أبي ربيعة و العباس بن الأحنف . و هذا قول من يؤثر الأنفة ، و سهولة الكلام ، و القدرة على الصنعة و التجويد في فن واحد . و لو كان كذلك لكان شيخ الطبع أبو العتاهية ، مكان عباس ، و لكن أبو العتاهية تصرف .
و ليس في المولدين أشهر اسما من أبي النواس ، ثم حبيب و البحتري . و يقال :
انهما أخملا خمسماية شاعر كلهم مجيد ، ثم يتبعهما في الاشتهار ، ابن الرومي و ابن المعتز ، فطار اسم ابن المعتز ، حتى صار كالحسن ( أبي نواس ) في المولدين ، و امرئ القيس في القدماء ، فان هؤلاء الثلاثة ، لا يكاد يجهلهم أحد من الناس . ثم جاء المنتنبي ، فملأ الدنيا و شغل الناس .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خالد ع . خبازة
اللاذقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق