الخميس، 16 يونيو 2016

صرخة بدوي للشاعر الكبير حسن منصور

صرخة بدوي
أرى الصحراءَ شامخة المــباني || بأبــراجٍ تـحــلّـــق في العَــنـان
توارى الــرّمــلُ من كل الـبراري || تغـيّرت المــلامـح في المـكان
فــلـم أرَ للســوافي مــن زئــير ||ولا لسْــعٍ بــوجـهي كالــسّنان
خــبا لمْعُ السراب أمام عــيني || وحــلَّ مـكانـه غـبَـشُ الـدُّخـان
دخانٌ يحــبس الأنســامَ عــني || فهـل هذا هـو النَّـدّ العُماني؟!
وأين روائـح القـيصـوم والـشـــيــح أم ريــح العـرار والاُقــحــــــوان
بحــيراتٌ تـعـشِّـش في خـيـالي|| ويـربطـني بهـا عـذب الأمـاني
فــهل هـي من سراب أم كــلانا || سـرابٌ مـعْ سرابٍ في اقتران
أطــوف بها وأســأل عن حـياتي || وأذوادي وأغــنــامي وضــاني
أُسَرّحُ في مدى الآفــاق طَـرْفي || يـُـناديهــا لســاني بل جَناني
ولـكـــــنْ لا أرى إلا صُـــروحــــــاً || تـسـدّ عـلـيّ آفــاقَ الـعَـــيان
تسـدّ طــريقَ صــوتي لـو أنادي || وتـَلـطِــمُـــه فـيرجـِـعُ غيرَ وان
وأسمــع رَجْــعَ صوتي من بعـيدٍ || تُبَــعْـــثِـره الـريــاح بلا بـَـيــان
ولكن فــيه لغْــــطٌ واضـــطـــرابٌ || غـريبُ اللفظ مجهولُ المعاني
فأسأل هل هنا أرضي وقومي ||عساني لم أُضِعْ رشدي عساني!
ألا يا قـــومُ مـــــاذا قد دهــاكـم || ومـــاذا جـــدّ في هذا الزمان!
أناديكــم، وكان العــهـــدُ فــيـنـا:|| (أُلـبّي مَــن لـنجــدته دعاني)
أناديكــم، ويجـعـلنـي اشتـياقي||أجِدّ السّيْرَ أهْجِس في رهاني:
أأنجح أم سأفشل في مسيري ||لأكـشِفَ ما بدا لي في اكـْتِنان
وهــل فـــوقـي غــبارٌ أم دخـــان|| أسـيرُ هـــنا فأشعــر بالهــوان
دنـوْتُ فأيقـظَـتْـني من ذهــولـي|| وجــوهٌ غــيرُ بيــضٍ أو حِـسان
فأغمــضتُ الجــفونَ لعلَّ كابــو سَ ما أبصـرْتُ يمــضي في ثوان
ولكنْ مسمــعُ الأصـوات حــولي || يضاعـف من مرارة مـا اعتراني
****
أنا العـــربيَّ فـي أرضي غــريبٌ || أنا(الجُعْفِيُّ) يصرخ في (بَوانِ):
أبعدَ سماع حُسْنِ (الضاد) ألقى || نعــيقَ الطير، بَرْبَرَةَ اللسان؟!
وأصـــــواتــاً لأبــواقٍ وطــبـــــــلٍ || تعــالــت فـوق أصــوات الأذان
وبعــد وجــوه قومي الغُـرّ ألقى ||عـَقاعـِـقَ ليس فيها مَنْ يُداني
طــيور مـع رياح الــبحــر جـــاءت ||تـَـقاذفُها الشـواطئُ والمــواني
بأجــــنحــةٍ تغــطــي كلَّ شيء || وتجــتـاح الصحــارى والجِــنـان
لـها عـدد الجــراد إذا تــداعــــت ||أيحتاج الجــــراد إلى ضــمـان؟
طــيـور من جـــوارحَ جـــائـعـــات ||تفــتّـش عن عصــافـيرٍ سِـمان
طــيــور حــــطّ أولـهــــا (بيـافــا) || وآخرها على (البحر العماني)
غــــيــومٌ تمــلأ الآفـــاقَ ظـــــلاًّ ||وتحجبُ شمسَها عن عين ران
وما زال (الخــليـج) ينــام ظُــهْراً ||ويحــلـم بالســعـادة والأمــــان
ولم يَرَ كــيف ضـاعـت(أرضُ يافا)|| وقد صُــبِغَـــتْ بلـون الأرجــوان
طــيور من بحـــار الشرق تـأتي || تحُـطّ على الرّبى والصَّحْصَحان
ملامــحـــها، روائـحــهــا نـذيـــرٌ || وأخـــطـــرُ ما تــراه الـنّـاظــران
روائــــحُ رَوْثِ أبـقــــارٍ ومِـــنــــهُ ||سيَبـْني المـعبدَ الهــنـديَّ بـان
كـــيانٌ ناشئٌ لا شـــكَّ فــــيـه ||سيـجْـرِفُ أيَّ حــزبٍ أو كــيــان
طــيورٌ في نشــاط لا يــُجـــارى || وكــلٌّ مـنهـُــمُ للـــرزق جـــان
يوحِّدُها التَّمَسْكُنُ حـيث سارت || وتسـلــك بالـمــرونة واللّــيـان
وفي يدهــا اغــتدى عـقْدٌ وحلٌّ || فلـيس لهـا الـبديلُ وليس ثان
****
ألا يا أيهـــا الصــقّـــــار مهــلاً! ||ويا نســلَ الغـطــاريفِ الهِــجـان
أخــاف على صقـورِكُمُ الحَباري || فلا تسـتغـربــوا مـن أيِّ شــان
ولا تتســاءلـــوا والشــكُّ بـــادٍ:||(أيَعْــنو الصّـقـرُ للـطّيرِالجَــبان؟)
نعــم، هــذا زمانُ الغــدرِ فـيـــه || مقــاييـسُ العــقــولِ بلا اتّـزان
فــكم لــيثٍ تُخــاتـلـه الثعــالي || ولا تــرْتــاح إلا وهــــو عـــــان.
أنا الــبدوي حِــسّي لا يُغـــالي || وآلامي بقــلـــبٍ غــيرِ هــاني
ولسـتُ بِشانـِئٍ طــيراً ولــكــنْ || أراني للغـد المــشئوم شاني
وأبصــرُ مــنزلاً فـيه شـقــيـقـي || مـع الأيـّامِ فـي حــربٍ عـــوان
إذا اختلج(الخليج) فهل سيُغْني|| لـذيذُ النومِ عن خـوض امتحان
وهـل تُغـني الـندامةُ والتّـباكي || إذا قـفَـزَ الـزمانُ عـن الأماني؟!
*******
الشاعر حسن منصور
[من المجموعة الحادية عشرة، ديوان (أواخر الصيف) ـ دار أمواج للطباعة والنشر والتوزيع، ط1 ، 2014م ً، ص47]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق