"دَعيه يَا مِصْرُ يَدْوي"(1)
جبْتُ بِقاعِ الأَرْضِ
رَأَيُتْ أَنْهاراً مُعَلَّقَة
وَ بِحاراً مُضْطَرِبَة
وَ مُحيطاتٍ ساكِنَة
عَلَيْهَا مُدُنٌ عَائِمَة
وَ لَمْ العُجْبِ ؟!
وَ سَماءٌ فِي الأَرْضِ
وَ أَرْضٌ فِي السَّماءِ
وَ مَا رَأَيُتْ مومْياءَ
تَتَبَاهَى فِي السَّاحَاتِ
إِلَّا عِنْدَ سَيِّدَةِ البَهاءِ
حَبِيبَتِي السَّمْراءِ
فَيَا لِلْعَجْبِ !
فَمَن عِنْدَهَا يَبْدَأُ الحُبُّ خَفْقَهُ
وَبِعِطْرِها يَتَطَيَّبُ العَرَبُ
(2)
صَباحُ الخَيْرِ
يَا مَحْروسَة
صَباحَ الخَيْرِ
يَا سُكَّر
لَوْ عِشْقَكِ سُكّانُ الأَرْضِ يَا سَمْراءَ
أَنَا أَوَّلُهُمْ
لَوْ حَمَلوا إِلَيْكِ الشَّوَاطِئَ البَيْضاءَ
أَنَا أَوَّلُهُمْ
لَوْ حَمَلوا إِلَيْكِ نُجومَ السَّماءِ
أَنَا أَوَّلُهُمْ
إِنْ لَمْ أَكُنْ أَوَّلُهُمْ
فَمَا جَدْوَى قَلْبٍ يَنْبِضُ
عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ
و يَتَبَاهَى رّاقِصاً عَلَى اَلْلَيْلِكِ
بِرَبيعٍ خَالٍ مِنْ الِانْكِسارِ
و مَعْقُودٌ بِسَيْفِ الِانْتِصارِ
(3)
فِي حُبُّكِ يَا سَمْراءَ لَنْ أَقاسِمَ أَحَدٌ
حَتَّى وَ أَنَا فِي جُبِّ اللَّحْدِّ
فَصَباحُ الحُبِّ
يَا مِصْرُ
صَباحَ الخَيْرِ يَا رُوحِي
حِينَ تُرَفْرِفُ عَلَى نَيْلِكِ
عَلَى رَوَابِيكِ
عَلَى سِحْرِكِ
عَلَى ازْهَارِكِ وَأَطْفالِكِ
عَلَى نِسائِكِ وَ رِجالُكِ
عَلَى ذَرّاتِ تُرابِكِ
عَلَى رُبّانِ أَمْجادِكِ
عَلَى مَواعيدِكِ
مَعَ النَّصْرِ إِذَا أَقْبَلَ
مَعَ الأَهْرَامِ حِينَ تَزْأَر
و حِينَ النِّيلِ يَتَبَسَّم
(4)
ذَاتُ يَوْمٍ يَا بَهيَّة
اقْتَادُوكْ إِلَى اللَّيْلِ
حِينَ لَووا بوصْلَتَكِ
وَ أَسْقَطَتِ الرِّهانَ
لِأَنَّكِ النَّهارُ
وَ سَيِّدَةُ الِانْتِصارِ
فَدُروبُ النَّصْرِ مِنْ روحِكِ
وَ نُجومُ المَجْدِ عَلَى أكَتاَفُكِ
يُشِعُّ نُورَهَا عَلَى نَيْلِكِ
فَصَباحُ الخَيْرِ
يَا سُكَّر
صَباحَ الخَيْرِ
يَا سيناء
فَمَن قَالَ أَنَّ نَهارَكِ لَا يَأْتي
وَ مَتَى نَهارُكِ قَدْ تَوارَى ؟ !
وَ إِنَّ كَبْوَةً فِي غَفْلَة
عُيونَ رِجالِكِ لَا تَغْفَى
فَصَباحُ الخَيْرِ
يَا شابَّة
صَباحَ بوْسَة وَراءَ بوْسَة
عَلَى خَدِّكِ
عَلَى جَبينِكِ
عَلَى عَيْنْيكِ
عَلَى فَجْرِكِ
عَلَى نَيْلِكِ
عَلَى أَمْجادِكِ
حِصانُكِ عُمْرُهُ مَا كَانَ أَعْرَج
وَ فارِسُكِ عُمْرُهُ مَا كَانَ أَعْمَى
يَهْدِيكِ نَصْرَهُ الأَبْهَى
(5)
صَباحُ الخَيْرِ
يَا حُلْوَة
صَباحُ الخَيْرِ
يَا سُلْطانَةَ
مَتَى تَأْتينَّ إِلَى المَقْهَى ؟
وَلَوْ فِي النِّيلِ نَتَقابَل
وَ فِي الجِيزَةِ نَتَسامَر
نَتَدَانَى نَتَمايَل
نُغَنِّي لِانْتِصارِ النِّيل
لِوَداعِ ظَلامِ اللَّيْل
لِلْعَامِلِ وَاَلْمَعْمَل
لِلْفَلَّاحِ وَالمِنْجَل
لِلطَّالِبِ والْعَسْكَرِ
يَا أَحْلَى مِنْ السُّكَّرِ
(6)
صَباحَ الخَيْرِ يَا طَيْبَة*
أَنْ غَدَرَ الزَّمانِ بِكِ
أَنَا ظَهْرك وَجَوادك
أَنَا مِنْكِ وَ إِلَيْكِ
أَنَا سَيْفَك الأَبْتَر
فَكَيْفَ اليَوْمَ أَتُنْكِر
لِدِمَاءِ رَوَتْ أَرْضي
لِطَلَّةِ طَيْبَة عَلَى قَلْبِي
وْدادْ الحُبِّ أَرُوتْنِي
بِحَنان عِشْق غَمَرَتْنِي
وَ حَلاوَةَ رُوح سَحَرَتْنِي
مُحال أَسير إِلَى المَجْهول
بَعيدٍ عَنْكِ يَا سُكَّر
بَعيدٌ عَنْكِ
يَا مِسْكَ يَا عَنْبَر
بَعيدٌ عَنْكَ يَا أَسْمَر
(7)
حِينَ تَرَنُّحُتْ هَامْتِنَا
وَ أَجْبَرَ المَجْدَ أَنْ يَرْكَع
فَقَالَ لِغَيْرِ مِصْرَ لَنْ أَرْكَع
لِمَنْ مَزَّقَ لَيْلَ العَرَبِ، فَقَط أَرْكَع
لِمَنْ أَخْرَسَ عَرْبَدَةَ الطُّغاةِ أَرْكَع
لِمَنْ يُتْقِنُ صُنْعَ الفَرَح
وَ يَنْشُرُ اليَاسَمِينَ أَرْكَع
لِمَنْ يُحْرَقُ اَلْمَصائِد
و يَفْتَتُ المَكائِدُ أَرْكَع
لِمَنْ يُذِيبُ جِبالَ الحُزْن
لِحادي عَيسِ العَرَبِ أَرْكَع
فَأَخْبِريني يَا سَمْراءَ مِنْ أَبارِزَ ؟
لِأَجْلِ عَيْنْيكِ لَنْ أَرْجَع
(8)
أَنْتِ يَا مِصْر
بِكُلِّ خُطْوَةٍ نَصْر
أَنْتِ بِلادٍ باذِخَةً فِي السَّهَرِ
أَنْتِ بِلادٍ باذِخَةً فِي العَمَلِ
باذِخَةً بَحِبِّ البَشَرِ
أَنْتِ احْتِواءُ الرَّبيعِ
أَنْتِ الِابْتِسامَةُ وَاَلْأَلْق
أَنْتِ احْتِواءُ الجَميع
أَنْتِ فِي قَلْبِ الظَّلامِ شِهَاب
أَنْتِ شُعاعٌ يَلْتَهِمُ ليلُ العَرَب
أَنْتِ شَذَا مَجْدَ العَرَب
كُلُّ الجَمالِ أَنْتِ
كُلُّ الحَضارَةِ أَنْتِ
أَنْتِ إِشْراقُ فَجْرِنا وَمَجْدِنا
مُنْذُ اقْتَحَمَ قَلْبَكِ أَرْواحَنا
فَمَتَى تَمَزُّقينَ يَأْسُنا
لنَحْتَفيَ بِأَمْجادِنا
(9)
مَاذَا دِهاكَ يَا سَمْراءُ ؟
سَلَي الغَرْدَقَةِ عَنِّي وَ عَنْ خَفْقَتِي البَيْضاءِ
سَلَي أَسْيُوطَ عَنِّي وَ سَمائِكِ الزَّرْقاءِ
فَقَلْبي اَلَّذِي مِنْ النِّيلِ قَدْ شربا
وَ فِي ميوَّنٍ* يَحْتَضِنُ البَحْرَ وَ السَّماءَ
وَ مَازَالَ يَرْفَعُ كَأْسَ الوَفاءِ
و فِي مَداراتِ عِشْقِكَ
وَ بَريقُ سِحْرِكِ
يَحوَمُ بِفَيْضِ حُنَيْنِكِ
فَكُلَّمَا رَحَلُتُ عنكِ، وَإِذَا بِهِ عَلَى نَيْلِكِ
فَأْطِيرُ وَأَطيرُ عَابِراً السَّماءَ
أَتَسامَرُ مَعَ أَهْلَكِ
وَ نُكْتَةً وَراءَ نُكِتِه
وَ هَمْسَةً وَراءَ هَمْسَة
وَ رَشْفَةً وَراءَ رَشْفَة
لِلْقَهْوَةِ اليَمانيَّة
تُسَلّي القَلْبَ وَ الخاطِر
وَ عِنْدَ الجَدِّ لَا نُقْهَر
نَزلْزُلُ الكَوْنِ
بِاَلْقَبْضَةِ وَ الْخِنْجَرِ
بِسَواعِدَ مِنْ لِلْمَجْدِ قَدْ كَبَّر
(10)
أَنْتَ أَيُّهَا اَلْواهِمُ
إِذَا أَتَى تِشْرينَ*
تَذْكُرُ بارْليفْ* أَلْفَ مَرَّةٍ
و أَنْتَ أَيُّهَا العَرَبيُّ
حِينَ تَنْسَى هُوِيَّتَكَ
انَّطِقْ بِاسْمِ مِصْر
يَعودُ لَكَ رَشَدُك
وَ حِينَ تَلْمِسُ قُبَّةَ السَّماءِ
أَعْرِف إِنَّ فِي قَلْبِكَ مِصْر
وَ حِينَ لَا تُقَدَّرُ قيمَةُ مِصْر
وَ تَتَأَبَّطُ اَلْخُذُلان
فَإِمَّا الجُنونُ قَدْ أَصَابَكَ
أَوْ الهَوانُ هوَ حالُكَ
فَمِصْرُ . . فِي هَوائِنا . .
وَفِي تِلْفَازِ بَيْتِنا . .
وَفِي سَاحَاتِنَا . .
وَ قَهْوَتُنا . .
وَنَسائِمُ بِحارِنا . .
وَفِي قَصائِدِنا . .
وَ عَلَى جَبيني بَريقِ مِصْرَ
وَ جَوازي يَزْهوُ بِمِصْرَ
فَمِصْرُ هويَّتَنا
وَ تَاجُ نَهارِنا
إِذاَ أَنَا لَنْ أضلَّ الطَّريقَ
فَصَباحُ الخَيْرِ
يَا أَسْوان
صَباحَ الخَيْرِ
يَا سِويس
صَباحَ الخَيْرِ
يَا ناصِر
صَباحَ الخَيْرِ
يَا نَيْل
صَباحَ نَصْرِكَ الآتِي
عَلَى فَجْرِنا الزّاهي
(11)
قَبْلَ أَنْ تَلِدَ الرّومُ عُروشَ مُلوكِها
كَانَتْ مِصْر
و قَبْلَ شَهيَّةِ الفُرْسِ بِأَطْباقِ اَلْجَماجِمِ
كَانَتْ مِصْر
وَقَبْلَ أَنْ تَرْقُصَ أَفاعي الشَّرْقِ وَ العَرَبِ
كَانَتْ مِصْر
لِذَا أَنَا أُؤَمِّنُ ، يَا مِصْر
أَنْ قَدْرَكَ مَعَ النَّصْرِ مَكْتوبٌ
إِنْ تَعَثُّرَ يَوْماً لَا نُلُومِكِ
مِنْ يَفْقِدُ دُروبَ النَّصْرِ
لَيْسَ مِصْر
وَمَن لَا يَعْرِفُ المَجْدُ
لَيْسَ مِصْر
صَباحَكِ يَمُوجُ بِالْأفراحِ
أَنَا أَعيشُ الآنَ نَصْرَكِ
وَ مَا البَهاءُ إِلَّا بِنَصْرِكِ
قِسْماً بِنَيْلِكَ اَلَّذِي إِلَيْهُ . .
تَأْوِي مَلايينَ الأَفْئِدَةِ
أَنِّي أَرَى نَصْرَكِ . .
مِنْ البَحْرِ آتٍ . .
مِنْ السُّوَيْسِ آتٍ . .
مِنْ السَّماءِ آتٍ . .
مِنْ مُوَال فَلاحٍ آتٍ
مِنْ لُعَبِ الأَطْفالِ آتٍ . .
مِنْ الدَّفَاتِرِ آتٍ . .
مِنْ القَصائِدِ آتٍ . .
مِنْ قَسَمِ جُنْديٍّ آتٍ
مِنْ النِّيلِ آتٍ . .
فَيَا مَرْفَأُ أَحْلامِنا
مِنْ عَيْناكِ يومِضُ بريق فجرُنا
وَ غَيْمَةُ حُبٍّ تُطْفِئُ سَعيرَنا
وَ تَفْتَحُ نَوافِذُ نَهارِنا
و تَطْرَزُ فَساتينُ أَفْراحِنا
(12)
رَعدُ النِّيلِ
لَا تَكْتُميه فِي جَوْفِ القَلْبِ
دَعيه يَا مِصْرُ يَدَوي
دَعيه يُمْطِر
وَ مَا خُتِمَ فَمَكِ بِاَلْشَمْعِ الأَحْمَرِ
مَا مَاتَ الحُبُّ فِي قَلْبِ النِّيلِ
وَ مَا كَانَ ابْنُ النِّيلِ ضَرير
فَهَا هِيَ أَنْهار عشَّقي تَنْسابُ إِلَيْكِ
مِنْ عَرْشِ بِلْقِيسْ تَأْتِي إِلَيْكِ
فَمَن يَزْهو بِصَدْرِ الأَرْضِ غَيْرُكِ ؟!
طُوبَى لِمَنْ سَارَ عَلَى نَيْلِكِ
طُوبَى لِمَنْ ذَادَ عَنْكِ
طُوبَى لِمَنْ عَرَفَ السَّعادَة
وَ نَالَ عَلَى ثُراك الشَّهادَة
طُوبَى لِمَنْ أَسْتَشعَرَ السّيادَة
فَمَسيرَةُ الفِداءِ عَلَى جَبينِكِ أَنْقَى عِبادَة
محمد سعيد حميد
أبريل 2021
-----
* طيبة – عاصمة قديمة لمصر "2160 ق. م. – 1715 ق. م."، وتعني "الحرم" أو "المكان المقدس" ذكرت في التورات باسم مدينة "أمون"، وقد ذاع صيتها بذات المائة باب من الذهب "مدينة الأقصر حالياً".
* ميون – جزيرة يمنية في باب المندب جنوب البحر الأحمر، أغلقت الملاحة البحرية في حرب أكتوبر 1973م.
* تشرين – المقصود فيها حرب تشرين 1973م، أو حرب أكتوبر أو "حرب العاشر من رمضان" كما تعرف في مصر.
* بارليف - «خط بارليف».. الأسطورة الإسرائيلية التي حطمها الجيش المصري في حرب تشرين 1973م.
قلب الشاعر الذى تشربت خلايا احساسه بكل هذا الحب لوطن يحبه ايضا لخليق ان يكون نموذجا لابناء الوطن واعلم ان القلوب عند بعضها فالحب متبادل والود متبادل ادامك الله
ردحذف