يا ما كانشعر: فيصل سليم التلاوي
تألق جُرحكَ الورديُّ وضاءً كطيفِ ملاكْ
لمحتكَ حافيَ القدمين في حقلٍ من الأشواك
مصلوبًا على زيتونةٍ مدّت ذراعيها ليحتضناك
فزِعتُ إليك ملهوفًا
وكم أمّلتُ أن ألقاك
وأتبع خطوتي لخُطاك
أتيتك، غير أني لم أجدكَ
ولاح عن بعدٍ جناحُ ملاك
وحلّق في مدى الأفلاك
وغبتَ، بَعُدتَ عن عيني
ولكني أظلّ أراك
وقد عوّدت عيني مثلما تهوى على رؤياك
جبينًا عاليًا قد لوّحت يُمناك
وعُنقًا فارعًا قد طاول الأعناق
وصوتًا يملأ الآفاق
رأيتُ دِماكَ حيثتُ تُراق
نهضتُ إليك أبدي لهفةَ المشتاق
وصحتُ:- فداكْ
يا وطنًا من الأرواح والأحداق
يا جذعا بلا أوراق.
لمحتُ شقائق النعمان تُدمي خدها أسفا
وجنحَ الليلِ مزّق ثوبهُ كِسَفا
وأسراب الصبايا والسنونو قلبها نزفا
رأيت التين والزيتون في عليائهِ وجَفا
وأرسل طرفهُ ليودع القلب الذي خُطِفا
فكيف أطيق أن أنساك
وأنت الفطرُ والإمساك
وأنت الحب والأشواق
وأنت البُرءُ والترياق
وزنبقةٌ على شباكْ
أهدهدها وأحميها
بدفء القلب أحضُنها
وبالعبرات أسقيها
هُرِعتُ إليك
جثوتُ أضمخُ الكفين طيبًا فاح من قدميكْ
وأغسل مهجتي بالنور حيث يفيض من عينيك
وأغمس ريشتي في الجرح
أحملُ رايتي، والرمحُ مكسورٌ
وفي كفي استحال عصًا
و قوسي صار سوطًا في يد الجلادْ
في مدن الردى والملح
قد نفد المداد وغاضت الكلماتْ
لعلي بعد هذا اليوم ترشح ريشتي قطراتْ
من الدم الموشّى أحرُفًا
لكنها في وقعها جمَراتْ
فأغسل هذه الأدرانْ
وشرنقةً من الأحزانْ
تحاصرني مدى الأزمان
أمزقها وأنفضها
وأعزف أعذب الألحان
لزهرٍ ناضرٍ فتان
وطيرٍ راقص الأفنان
ونهرٍ دائم الجريان
لأطفالٍ بلا أحزان
لوجناتٍ من التفاح والرمان
أغني والمدى يهمي مُنىً و حنان
أيا أحبابيَ الأطفال
في ماضي الزمانِ وسالف الأيام ِ
يا ما كانْ .
فيصل سليم التلاوي
5/11/1998
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق