الأربعاء، 1 مارس 2017

الدلالة التضمينية وفعل أشارة المدلول بقلم عباس ياني المالكي


(الدلالة التضمينية وفعل أشارة المدلول )
قراءة نقدية لمجموعة (أنا ومن بعدي الفصول ) للشاعرة شذى عسكر
لكي ندخل إلى أي نص شعري يحتوي دلالات واسعة من الانزياح اللغوي، من أجل  تحقيق لحظة الحضور المعنوي لهذا النص ،لذلك يجب علينا أن نعرف التوجه الدلالي لهذا لانزياح،و نثبت إلى أي المذاهب الأدبية التي تكتب بها الشاعرة شذى عسكر من خلال نصوص مجموعتها(أنا ومن بعدي الفصول) وهذا يجعلنا نتدرج في الوصول إلى الفهم المعنوي في اختيار المعنى وحسب الكلمات التي تقارب أحاسيسها ، حيث أن الرومانتيكين قد اهتموا بالخيال وأثره في تكوين الصورة الشعرية وكما قال الشاعر المتصوف وليم بليك (أن الصورة الكاملة التي يبدعها الشاعر لا يستخلصها من الطبيعة وإنما هي تنشأ في نفسه وتأتيه عن طريق الخيال) والخيال كما يتصوره الرومانتيكون هو رؤية مقدسة هو عالم الأبدية أي العالم الذي يعلو على الواقع الحسي. وقد استطاعت الشاعرة أن تبتعد عن مبادئ (برنار) والتي نشرتها جماعة مجلة الشعر في لبنان في القرن الماضي , أي أن الشاعرة استطاعت أن تقدم نص شعري متكامل في قصيدة النثر، بوجدانية عالية التصور الأستعاري الحاضر ضمن رموزها التي أنشأتها ضمن نصوصها في هذه المجموعة، كما استطاعت أن تقديم تصور إدراكي صوري شعري في الوجود وفي اللغة وفق اللحظة التي تندفع منها أو فيها بتقنياتها التي تكمن في طرح ما هو له صلة بها ، حيث تشذب أو تطرح كل ما يمتلك تصورها الإنساني اتجاه كل ما هو قريب إلى معناها من أجل تكثيف دالة النصوص، وقد استطاعت أن تحقق النص المنفرد بطاقتها المشذبة من كل الزوائد ، وحسب إحساسها الوجودي كما هو، بتدخل مؤثرالتصويرية، وهي بهذا امتلكت القدرة على الوصول بالنص إلى خارج التداعي الحر والتقنيات السريالية ( عند بروتون تحديدا) لكونها لا تستجدي طرقا نفسية أو صوفية معقدة ،ولا ترتكز على اللاوعي في التداعي بل تحاول بناء جملتها الشعرية اعتمادا على هاجسها الوجداني لكي تصنع صورة شعرية مفعمة بأحاسيسها وحسب ذائقتها التي تعيشها اتجاه الأشياء ومسميات رموزها ..
نص (طواحين ) ص 14
(لنلتقي بأوجاعنا / المتكدسة طوال تلك العصور / في طواحين ليلة عيد  الميلاد / ونحرقها في مشاعر الأتون /ثم ننثرها من كوة/ صومعتنا الدافئة /لسافيات الريح الشتائية / تقبرها موجات الصقيع /لنزيح الغمائم / التي حجبت/ نور الشمس الذهبية /على تلك السنين التي خلت / تجرعنا الألم /للأحكام العرفية/ على حضارتنا / بالإقامة الجبرية )
 الشاعرة قد وصلت إلى حرفية المعنى وبشكل انسيابي، لأنها استطاعت أن تتنقل بين مسارات اللغة بحرفة مدركة لخضم مشاعرها ، والمحفز لهذه المشاعر هي الأوجاع، دون أن تبتعد عنها لكي تبقى ضمنها و لا تبتعد عن شكل النص وبنفس الوقت تحافظ على مكنون النص حيث نلاحظ هنا تشظي مظهرية النص ولكن بنفس المستوى الداخلي، الذي يوصل إلى نفس المعني الذي تسعى أليه الشاعرة حيث نلاحظ تبدأ بالجمع لأنها تحدد وجعها من خلال وجع الآخرين ، فالأوجاع التي حولها ما هي إلا وجع كل من حولها لأن الأسباب لهذه الوجع مشتبه ، ولشعورها بتطابق هذه الأوجاع ، وهذا دالة على عن أن الإنسان قد يفترق بالقضايا الأخرى ، لكنه يتوحد بالوجع لأن الأسباب المؤدية لهذا إليه ، لهذا هي تطلب أن يتخلصوا من هذه الأوجاع التي تكدست طول عصور، و تطلب أن تتحرر حياتهم منها ، من أجل أن تولد حياتهم من جديد بعيد عن هذا الوجع المتكدس في أرواحهم ، وتطلب أن تحرق هذه الأوجاع ونثرها في كوة لكي لا يلتفتون إليها أو يشعرون بها مرة أخرى ،لأن حرقها يعني انتهائها كليا ، ومن أجل أن لا تعود بل عليهم أن يعودوا إلى دفء العلاقات من خلال الترابط بينهما بشكل كبير وتحقيق صومعة الدفء بينهما ، لكي لا تتحول العلاقات بينهم إلى لسافيات الريح الشتائية وتعصف بهم موجات الصقيع بل عليهم قبرها ، من أجل يعاد كل شيء إلى طبيعته من الترابط الاجتماعي و يعيشون دفء العلاقات الإنسانية . والشاعرة هنا تحدد الدلالة الفهمية التي تحديد التأويل المعنوي لأسباب التي سببت الأوجاع وهي الفرقة التي حدثت بينهم ، لهذا تطالب أن تعاد العلاقات الاجتماعية من خلال الترابط ومحبة بعضهم (لنلتقي بأوجاعنا / المتكدسة طوال تلك العصور / في طواحين ليلة عيد الميلاد / ونحرقها في مشاعر الأتون /ثم ننثرها من كوة/ صومعتنا الدافئة /لسافيات الريح الشتائية / تقبرها موجات الصقيع)تستمر الشاعرة بطرح الأزمة الحقيقة التي يعيشها المجتمع بسبب الفرقة بين أفراده ، وتحاول أن تحدد الدلالة التي تعطي إلى النص البعد الإنساني الواسع ، من خلال أعطاء الأسباب التي أدت بالمجتمع إلى الفرقة ، لهذا تحاول أن تبين ما تسبب هذه الفرقة من أزمات ترهق الجميع ، لهذا تطالب أن تكون المحبة هي السائد في كل أفراد المجتمع دون تفرقة ، وهذه هي الحقيقة التي يجب أن يعيشها الكل ، لأن المحبة هي أساس نور الشمس التي تشرق في الحياة الاجتماعية ، فالذي حدث في السنين السابقة من ألم ووجع في حياتنا بسبب الفرقة، لهذا علينا أن نتمسك بالمحبة ونعيش حضارة الإنسان الحقيقية وإلا كلنا سوف نعيش الإقامة الجبرية في البيوت لانعدام الأمن في حياتنا بسبب عدم وجود المحبة التي تربطنا مع بعضنا (التي حجبت/ نور الشمس الذهبية /على تلك السنين التي خلت / تجرعنا الألم /للأحكام العرفية/ على حضارتنا / بالإقامة الجبرية ) استطاعت أن تحدد الدلالة من خلال الإشارة الخفية ، أي بنت النص على نمو الدلالة من فعل الإشارة التي تحدد الأسباب لكل ما يدور حولها ، وقد حققت كل هذا من خلال المشهدية البصرية لذهنية فكرة النص والتي حددت أطرها التأويلية التكوينية لحالة السيكولوجية الإنسان حين تنعدم المحبة بينهما وما سبب كل هذا الفراق وانعدام الأمان في هذا المجتمع.
نص(إسبار روح)ص (37
 ( غرق المركب / في سير أغواره / في ليلة حالكة / مترعة كانت /بزهرة البيلسان / اشرأبت تويجاتها / أمواج حروفه / اختنقت غيظا / غصصها آخر الكلام / فتيت مشاعره / أينعت بين ثنايا أضلعه / براعم النسيان )
مجموعة الشاعرة شذى عسكر تضج بالمواقف الإنسانية التي تحدد ما يعيشه الإنسان حين يفقد أحد ركائز الحياة سواء كانت هذه الركائز داخلة أو في المحيط حوله ، وهي تعتبره يعيش ذاتيين ذات الداخلية له والذات الخارجية التي تمثل مظهرية الحياة المحيطة به ، و الرموز تتكون داخل الإنسان والتي يرى من خلالها رموزه الخارجية ، وقد استخدمت لغة شعرية التي وسعت من قدرتها على تكثيف المفردة والترميز للمعنى وليس الوصول إليه مباشرة أو الإلحاح على توصيله ، وفي هذا النص تحاول أن تعطي الإشارة إلى الإنسان الذي يفقد كل شيء ولا يبقى شيئا حوله، ويحاول أن يستعيد ذاته التي فقدت الكثير ( غرق المركب) و قد بنت دلالتها الرمزية على عمق الخسارة التي تصيب الإنسان والتي تؤدي به إلى الاختناق والغيظ ، ومع هذا لا يفقد الأمل ، ونجدها تحاول أن تشير إلى الدلالة من خلال الدالة التضمينية وفعل أشارة المدلول أي أنها تعطي الدلالة النصية البعد الخفي داخل النص فهي تشير إليه دون أن تحدده وهذا ما يجعل نصها مكتنز بالدالة الأفقية التي تؤشر كل أبعاد الحالة التي تريدها داخل النص والوصول إلى بها إلى المعنى الذي ينمو بشكل متناسل لكي يحقق الصوت الداخلي للنص ،أي أن الذي يميز نصوصها البعد الدلالي الأشاري وفق مدلولها الخفي ، ويجعل نصوصها تنمو بالظاهري مع المدلول الداخلي ، ما يجعل نصوصها مؤثرة في القارئ ، ونجدها هنا تتحدث عن الخسارة الداخلية التي توصل إلى اليأس وقد استخدمت زهرة البيلسان كدلالة على العطاء لأن الزهوة كما هي معروفة استخدمت كزهرة دواء في الكثير من الحالات وكما تتميز بطولها والتي تتفتح بزهو تويجاتها بيضاء أي أنه رغم أنه يعطي ويضحي بطيبة وبكل قناعة ولكن مع كل هذا غرق مركبه ،أي ليس هناك احد من يقدر التضحية ( غرق المركب / في سير أغواره / في ليلة حالكة / مترعة كانت /بزهرة البيلسان / اشرأبت تويجاتها / أمواج حروفه / اختنقت غيظا) هي هنا تحقق المعنى وفق فعل تبيان الدالة التي تشير إليها ، رغم تضحيته فهو لا يحصل إلا على الكلام الذي يغص به ، وهذا ما دعاه إلى النسيان حيث فتيت المشاعر التي يشعر بها من غصة ألم ، ليس هناك أمامه من طريق غير النسيان (غصصها آخر الكلام / فتيت مشاعره / أينعت بين ثنايا أضلعه / براعم النسيان ) بعد ما شعر أن ليس هناك من يقدر ما قدمه لهذا لا يفكر إلا بالنسيان ، والشاعرة استطاعت أن تبني نصا ينمو جوهريا ويعطي النتيجة التي تؤشر كل شيء ينتهي ، إذا لم يكن في هذا المجتمع المحبة والتقدير المتبادل ، وهذا يؤدي إلى النسيان والعزلة داخله .
نص ( طائر الحب ) ص69
(أسدل جفنيك / يا طائر الحب /واهجع على وثر ساعديه / دجى ليالي الشتاء الطويلة / دثارك نسج/ زغب الحمام / والدخن التقطه / من بين شفتيه / توسد على إيقاع نبضي / ليدندن لك حتى الصباح /لا تخش شباك الصياد / ولا مخالب هر /أعياه السهاد / عد .. وغرد أعذب ألحانك / لتولد من إيقاعها /قصيدة / رومانسية )
الشاعرة في نصوص مجموعتها هذه تحاول أن تعطي البحث عن المحبة , هي المفصل  الأساس في الحياة لأن من يجعل الحياة جميلة ورومانسية قابلة للعيش والاستمرار بها وهي بهذا استطاعت أن توصلنا إلى هذه القناعة أن عدم وجود الحب يوصلنا إلى مصير الإنساني تنعدم فيه الحياة حين لا يتوفر فيه ،وبشكل جميل ورائع وقد استخدمت التداعي ولكن ليس بحرفة السرياليين والغوص بصوفية مفرطة بالحلم لأن ما أرادت أن توصلنا إلية هو الحقيقة العبثية لمصير الإنسان عندما تنعدم المحبة، فهي تطلب من طائر الحب أن يهجع على وثر ساعديه رغم دجى ليالي الشتاء الطويلة، أي رغم البرد في هذه الليلي وانعدام الحب يجب أن يبقى يدندن حتى الصباح ،و يصبح الحب مثل الصباح بعد ليل طويل من برد المحبة ولكن لابد أن يشرق الحب مع الصباح ، أي لا يمكن أن نتجاوز هذا الليل إلا بالحب ، وسوف يأتي الصباح هو ملؤه الحب والحياة (أسدل جفنيك / يا طائر الحب /واهجع على وثر ساعديه / دجى ليالي الشتاء الطويلة / دثارك نسج/ زغب الحمام / والدخن التقطه / من بين شفتيه / توسد على إيقاع نبضي / ليدندن لك حتى الصباح) واستطاعت الشاعرة أن ثبت أن الحب يجب أن يستمر رغم ما موجود من شباك الصياد ومخالب الهر ،ولا ينتبه بكل هذا من أجل يكون الحب هو السائد، وعلى طائر الحب أن يستمر بالتغريد أعذب الألحان لكي تولد على إيقاع هذه الدندنة قصيدة حب ، أي يجب علينا أن نستمر بالإنشاد إلى الحب رغم ما موجود من أشياء تحاول أن تمنع أن يتم هذه الحب، فالحياة لا يمكن أن تتم بدون الحب مع وجود ليلي الشتاء الطويلة (لا تخش شباك الصياد / ولا مخالب هر /أعياه السهاد / عد .. وغرد أعذب ألحانك / لتولد من إيقاعها /قصيدة / رومانسية ) والشاعرة قد بينت قدرتها على أعطاء الأشياء المخفية التي تجعل الحياة لا تطاق لعدم وجود الحب والمحبة ، وقد بنت دلالاتها النصية على الحس الشعوري داخل النص وفق الدلالة التضمينية التي تشير إليها وحسب تطور الإيقاع الداخلي لهذا النص، ونشعر أنها تحدد مسار النص وتتركه ينمو وفق سياقات هاجسها الذهني التصوري للفكرة التي تريد أن توصلها إلى المتلقي ،بالطبع هذا يتطلب منها البقاء على وعي كامل بمسالك النص وأشكالياته ، وبدون الإفراط بالإشارة إلى المعنى التي تريد أن تحققه ، ولكنها بنفس الوقت أبقتنا مشدودين إلى ما أرادت أن نصل إلية الذي هو في حالة عدم وجود المحبة والمصير البشري المجهول حين تنعدم المحبة داخل المجتمع الإنساني ، وحققت نصوص متماسكة في فكرتها الجوهرية دون الإخلال في فكر الدلالي الشعوري لشاعرية النصوص .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق