النقد الانطباعي المرتجل :
ذائقة المتميزين أم حسد الفاشلين ؟
بقلم : أحمد السيد
مقدمة منهجية :
°•°•°•°•°•°•°•°•
الشعر بوصفه جنساً أدبياً رائدا لا يتوقف بإنتاج الشاعر نصه الشعري .. بل لا بد من متابعته بالدراسة و التحليل و النقد و التسديد و التعزيز ..
و المناهج النقدية التي تدرس الشعر خصوصا و الأدب عموما تنقسم قسمين ( وفق دراسة أوستن وارن و رينيه ويلك القيمة : نظرية الأدب ) :
- مناهج خارجية : تدرس النص بعلوم ليست منه . كعلم النفس و علم الاجتماع و علم الأفكار و العقائد ( الإيديولوجيا )
و يكون الشاعر هنا متفوقا وفق صعوده السلمي في هذه العلوم ...و في هذه المناهج نسأل : ما الفائدة من هذا النص أو هذه الرواية أو تلك المسرحية ؟
ماذا استفدنا و ما القيمة ؟
- و أما المناهج الأدبية التي تدرس النص من داخله و وفق لغته و آلياته البلاغية و الفنية فعديدة الأسماﺀ .. نستطيع أن نضع نظرية النظم للجرجاني في هذا الإطار .. و رأي الجاحظ في أن الشعر جنس من التصوير هنا أيضا .. و الدراسات البلاغية و العروضية و التقفوية أيضا من المناهج الفنية الجمالية .. و لا يغيب عن البال أن مذهب ( الفن للفن ) الذي راج في ( البرناسية ) هو في صميم هذا الاهتمام .. لأن النص الأدبي ليس وعظا أخلاقيا و لا ينبغي أن يكون
و ازداد الاهتمام بالعلاقات و الآليات الفنية مع انتشار البنيوية .. و ما بعدها .. بدرجة أو أخرى
المنهج التكاملي :
°•°•°•°•°•°•°•°•
و دعا بعض النقاد إلى منهج المناهج : المنهج التكاملي .. الذي يستفيد من المناهج السابقة قاطبة لإضاﺀة النص
و أنا أقول : إن طبيعة النص تفرض مفتاح تناوله . فقصيدة المساﺀ لخليل مطران و كثير من شعر ابن الرومي تستدعي الاستعانة بعلم النفس الأدبي . و كثير من نصوص شعر اليسار العالمي أو العربي لا بد من الولوج إليها بالمنهج الاجتماعي و الإيديولوجي أحيانا ..إنما لا ينبغي للناقد أن ينسى مطلقا الجماليات و الفن و هو يضع نصا أدبيا على منضدة البحث و التحليل و التأويل .
تطبيق عملي :
°•°•°•°•°•°•°•
و قد رأيت مؤخرا صورة لإبريق شاي وضعت علامة المرسيدس الثلاثية ممساكا لغطائه .. الصورة في غوغل منذ 2019 على الأقل . لكن شاعرا يمانيا صديقا وضعه قصة له و قال إنها في اليمن .
أمسكت الجوال و كتبت ما يلي:
غضبتْ على اليمنِ المُجرَّحِ دولةٌ
و سفيرَها استدعتْ لأجلِ تشاورِ
ما بالُ ألْمانْيا الصديقةِ ؟ ما الذي
لم ترضَ عنهُ بِواردٍ أو صادرِ ؟
إنّا لَتُعجِبناُ الصناعةُ تاجُها
مَرْسيدسٌ .. بي إمْ ..كصنف جواهرِ
و نشجّعُ الفنَّ الجميلَ رياضةً
لفريقِ بايْرِنْ لاعباً كالساحرِ
فأجابَنا الألمانُ : هذا رائعٌ
لكنْ إهانتُكم بدونِ سواترِ
أ علامةُ المرسيدسِ الحُسنى غدتْ
مِمساكَ ( كِتُلي) الشايِ ؟ أيُّ تفاخرِ !
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
فأجبتُهم : لو تعلمونَ حقيقةً
لَبكيتُمو سِرّاً بِضِحْكِ الظاهرِ
شعر : أحمد السيد حلب : 2021/9/3م
فأشاد صديقي الشاعر الجميل ناشر الصورة بما كتبت و قرّظ النص بشعر في مجموعة واتسيّة تضمّنا
و بعد ساعتين تقريبا كتب لي بعد التحيات
:
سألني أحدهم فلم أتوفق في الرد بشكل جميل
فأحببت أن أسمع ردك كي أتعلم منه :
أين تكمن القيمة الشعرية في النص وما مصداقية الشاعر في تناول القضايا العربية ؟
فكتبت له :
عدم الرد على بعض الكلام هو الرد
فقد يكون مصدره الحسد
إذ يقول في نفسه لو أنني قلت مثل هذا !!
و من كان على شاكلته إن ألقيت نظرة على ( إنتاجه ) وجدته ضحلا يعثر بالأخطاﺀ و الادعاﺀ
فالشاعر الحقيقي يعرف لكل ذي قدر قدره
يقولون حين دخل أبو تمّام قصر الخليفة العباسي ليمدحه كان نحو ثلاثمئة شاعر ينتظرون دورهم ليمدحوا الخليفة . فحين سمعوا شعر أبي تمام خجلوا و تنازلوا عن جوائزهم المنتظرة للشاعر الكبير .. بل إنهم تركوا الشعر .
فهذا معنى أن أبا تمام أخمل ثلاثمئة شاعرا على باب الخليفة ..
و مع أني متمرس في تحليل النصوص و نقدها فبإمكانك سؤال هذا اللبيب الذي يطلق كلامه ممثلا بدايات النقد الانطباعي في العصر الجاهلي ( حكم غير مؤسس منهجيا ) :
ماذا استفادت العربية من وصفيات ابن الرومي الساخرة ؟
مثلا :
يقتّر عيسى على نفسه
و ليس بباق و لا خالد
فلو يستطيع لتقتيره
تنفس من منخر واحد
و لماذا يحتفل الأدباﺀ و عشاق الأدب بهذا كأنيس المقدسي الخوري في كتابه ( أمراﺀ الشعر العباسي ) ؟
باستثناﺀ من لم يؤت ذوقا
و دون أن اعرف من صاحب هذا الرأي فإنني ازعم أنني كنت اكتب شعرا في أهم القضايا العربية و الإنسانية من قبل أن يولد
ليس الشعر كل الشعر لأجل القضايا الكبرى
و إلا شطبنا عمر بن أبي ربيعة و الشعراﺀ العذريين و الأعشى و كثيرا من شعراﺀ العصر الحديث بحجة أن ما كتبوه ليس في القضايا الكبرى
و لا يقول بذلك إلا من فقد الإحساس بالجمال الحقيقي و الفن السامي
نحن نحب القمح
و نحب الورد ايضا
ثم إن النص في ختامه يقلب القطعة من ابتسامة إلى تراجيديا إنسانية تعبر بكل اختصار عن مأساة
هذا الإيضاح لك شاعرنا الحبيب و ليس للمعترض دون بيان و لا منهج و لا ثقافة ..
فالبيت الأخير من نصي القصير يقلب النص من شعر ساخر يبتغي رسم الابتسامات على الوجوه ظرفا و دعابة .. يقلبه رأسا على عقب .. فإذا هو نفثة حزن لا بريق ابتسامة .. جرّاﺀ معاناة بلادنا الجريحة ويلات الحروب و ما تخلفه من ضغوط اقتصادية على سواد الشعب البائس :
فأجبتُهم : لو تعلمونَ حقيقةً
لَبكيتُمو سِرّاً بِضِحْكِ الظاهر
فلو عرفتم الحقيقة لضحكتم ظاهرا - حسب السياق الساخر و الصورة الطريفة - و بكت قلوبكم تأثرا و تعاطفا و حزنا على أمتنا الصابرة
حلب : 2021/95م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق