الأحد، 5 سبتمبر 2021

النقد الانطباعي المرتجل : ذائقة المتميزين أم حسد الفاشلين ؟ بقلم : أحمد السيد


 النقد الانطباعي المرتجل  :

 ذائقة المتميزين  أم حسد الفاشلين ؟ 

         

بقلم : أحمد السيد 


مقدمة منهجية : 

°•°•°•°•°•°•°•°•


الشعر بوصفه جنساً أدبياً رائدا لا يتوقف بإنتاج الشاعر نصه الشعري .. بل لا بد من متابعته بالدراسة و التحليل و النقد و التسديد و التعزيز ..

و المناهج النقدية التي تدرس الشعر خصوصا و الأدب عموما تنقسم قسمين ( وفق دراسة أوستن وارن و رينيه ويلك القيمة : نظرية الأدب ) : 


- مناهج خارجية : تدرس النص بعلوم ليست منه . كعلم النفس  و علم الاجتماع و علم الأفكار و  العقائد  ( الإيديولوجيا ) 

و يكون  الشاعر هنا متفوقا وفق صعوده السلمي في هذه العلوم ...و في هذه المناهج نسأل : ما الفائدة من هذا النص أو هذه الرواية أو تلك المسرحية ؟ 

ماذا استفدنا و ما القيمة ؟ 

- و أما المناهج الأدبية التي تدرس النص من داخله و وفق لغته و آلياته البلاغية و الفنية فعديدة الأسماﺀ .. نستطيع أن نضع نظرية النظم للجرجاني في هذا الإطار .. و رأي الجاحظ في أن الشعر جنس من التصوير هنا أيضا .. و الدراسات البلاغية و العروضية و التقفوية أيضا من المناهج الفنية الجمالية ..  و لا يغيب عن البال أن مذهب ( الفن للفن ) الذي راج في ( البرناسية ) هو في صميم هذا الاهتمام .. لأن النص الأدبي ليس وعظا أخلاقيا و لا ينبغي أن يكون 

و ازداد الاهتمام بالعلاقات و الآليات الفنية مع انتشار البنيوية .. و ما بعدها .. بدرجة أو أخرى 


المنهج التكاملي : 

°•°•°•°•°•°•°•°•


و دعا بعض النقاد إلى منهج المناهج : المنهج التكاملي .. الذي يستفيد من المناهج السابقة قاطبة لإضاﺀة النص 

و أنا أقول : إن طبيعة النص تفرض مفتاح تناوله . فقصيدة المساﺀ لخليل مطران و كثير من شعر ابن الرومي تستدعي الاستعانة بعلم النفس الأدبي . و كثير من نصوص شعر اليسار العالمي أو العربي لا بد من الولوج إليها بالمنهج الاجتماعي و الإيديولوجي أحيانا ..إنما لا ينبغي للناقد أن ينسى مطلقا الجماليات و الفن و هو يضع نصا أدبيا على منضدة البحث و التحليل و التأويل .


تطبيق عملي :

°•°•°•°•°•°•°•


و قد رأيت مؤخرا صورة لإبريق شاي وضعت علامة المرسيدس الثلاثية ممساكا لغطائه .. الصورة في غوغل منذ 2019 على الأقل . لكن شاعرا يمانيا صديقا  وضعه قصة له و قال إنها في اليمن .


أمسكت الجوال و كتبت ما يلي: 


غضبتْ   على   اليمنِ   المُجرَّحِ  دولةٌ  


و سفيرَها   استدعتْ   لأجلِ   تشاورِ 


ما بالُ   ألْمانْيا   الصديقةِ ؟  ما  الذي 


لم   ترضَ   عنهُ    بِواردٍ   أو  صادرِ ؟


إنّا      لَتُعجِبناُ       الصناعةُ      تاجُها 


مَرْسيدسٌ .. بي إمْ ..كصنف   جواهرِ 


و  نشجّعُ    الفنَّ     الجميلَ    رياضةً 


لفريقِ    بايْرِنْ      لاعباً       كالساحرِ 


فأجابَنا       الألمانُ  :      هذا     رائعٌ 


لكنْ      إهانتُكم       بدونِ      سواترِ 


أ علامةُ  المرسيدسِ  الحُسنى  غدتْ 


مِمساكَ  ( كِتُلي) الشايِ ؟ أيُّ  تفاخرِ !


.


.


.


.


.


.


.


.


.


.


فأجبتُهم  :   لو     تعلمونَ      حقيقةً 


لَبكيتُمو     سِرّاً      بِضِحْكِ     الظاهرِ 


شعر : أحمد السيد                   حلب : 2021/9/3م


فأشاد صديقي الشاعر الجميل ناشر الصورة بما كتبت و قرّظ النص بشعر في مجموعة واتسيّة تضمّنا 


و بعد ساعتين تقريبا كتب لي بعد التحيات 

 : 

  سألني أحدهم فلم أتوفق في الرد بشكل جميل

فأحببت أن أسمع ردك كي أتعلم منه : 


أين تكمن القيمة الشعرية في النص وما مصداقية الشاعر في تناول القضايا العربية ؟


فكتبت له : 


 عدم الرد على  بعض الكلام هو الرد 

فقد يكون مصدره الحسد 

إذ يقول في نفسه لو أنني قلت مثل هذا !! 

و من كان على شاكلته  إن  ألقيت نظرة على ( إنتاجه ) وجدته ضحلا  يعثر بالأخطاﺀ و الادعاﺀ


فالشاعر الحقيقي يعرف لكل ذي قدر قدره 


يقولون حين دخل أبو تمّام قصر الخليفة العباسي ليمدحه كان نحو ثلاثمئة شاعر ينتظرون دورهم ليمدحوا الخليفة . فحين سمعوا شعر أبي تمام خجلوا و تنازلوا عن جوائزهم المنتظرة للشاعر الكبير .. بل إنهم تركوا الشعر .

فهذا معنى أن أبا تمام أخمل ثلاثمئة  شاعرا على باب الخليفة .. 


 و مع أني متمرس في تحليل النصوص و نقدها فبإمكانك  سؤال هذا اللبيب الذي يطلق كلامه ممثلا بدايات النقد الانطباعي في العصر الجاهلي ( حكم غير مؤسس منهجيا ) : 

ماذا استفادت العربية من وصفيات ابن الرومي الساخرة ؟


مثلا : 


يقتّر عيسى على نفسه 

و ليس بباق و لا خالد 


فلو يستطيع لتقتيره 

تنفس من منخر واحد 


و لماذا يحتفل الأدباﺀ و عشاق الأدب بهذا كأنيس المقدسي الخوري في كتابه ( أمراﺀ الشعر العباسي ) ؟ 


باستثناﺀ من لم يؤت ذوقا


 و دون أن اعرف من صاحب هذا الرأي فإنني ازعم أنني كنت اكتب شعرا في أهم القضايا العربية و الإنسانية من قبل أن يولد 


 ليس الشعر كل الشعر لأجل القضايا الكبرى 


و إلا شطبنا عمر بن أبي ربيعة و الشعراﺀ العذريين و الأعشى و كثيرا من شعراﺀ العصر الحديث بحجة أن ما كتبوه ليس في القضايا الكبرى 

و لا يقول بذلك إلا من فقد الإحساس بالجمال الحقيقي و الفن السامي 


نحن نحب القمح 


و نحب الورد ايضا


 ثم إن النص في ختامه يقلب القطعة من ابتسامة إلى تراجيديا إنسانية تعبر بكل اختصار عن مأساة


 هذا الإيضاح  لك شاعرنا الحبيب و ليس للمعترض دون بيان و لا منهج و لا  ثقافة .. 


فالبيت الأخير من نصي القصير يقلب النص من شعر ساخر يبتغي رسم الابتسامات على الوجوه ظرفا و دعابة .. يقلبه رأسا على عقب   .. فإذا هو نفثة  حزن لا بريق ابتسامة .. جرّاﺀ معاناة بلادنا الجريحة ويلات الحروب و ما تخلفه من ضغوط اقتصادية على سواد الشعب البائس : 


فأجبتُهم  :   لو     تعلمونَ      حقيقةً 


لَبكيتُمو     سِرّاً      بِضِحْكِ     الظاهر 


فلو عرفتم الحقيقة لضحكتم ظاهرا - حسب السياق الساخر و الصورة الطريفة - و بكت قلوبكم تأثرا و تعاطفا و حزنا على أمتنا الصابرة 


حلب : 2021/95م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق