# قصة قصيرة. رصيف الذكريات
هاقد عدت ياخالد بعد سنين الغربة التي أجبرتك ظروف الحياة عليها ،عدت لتجد مدينتك كما تركتها ،وأنت تتساءل في قرارة نفسك :
مابال مدينتي بقيت على حالها ؟!
عادت بك الذاكرة إلى سنوات الشباب عندما كنت تجالس أترابك على ذلك الرصيف العريض وأنت ترهف السًمع إلى ذلك الشيخ الذي كنت تحبذ الجلوس إلى حلقته اليومية والتي كانت تدور في معظمها حول أصول اللًغة وفنونها ،مازال الرصيف على حاله رغم تآكل بعض من بلاطاته المخططة ،لكنه الآن صارا مرتعا للحشرات ومحطة للكلاب الضالة .
تتذكر ذلك الشيخ لتزور قبره بمقبرة العزيلات لتترحم على روحه الطاهرة والتي كانت تحوم حول القبور لتلهمها السًكينة التي كانت تسود المدينة الآمنة ،تحاول أن تحبس أنفاسك وأن تمسك عبراتك لكن و رغما عنك تجدها تنهمر على خديك ،إنًه شيخك الجليل الذي علمك قواعد اللًغة على أصولها .
تغادر إلى وسط المدينة حيث ضجيج المارة ورواد المقاهي وباعة الدوبارة ،تشمئز نفسك من تلك المناظر المزعجة .
حتى أترابك من الأقارب والأصدقاء غادر بعضهم إلى الضواحي والبعض الآخر إلى الاحياء الجديدة.
تزداد غرابتك وأنت وسط الزحام والضجيج الذي لفت إنتباهك وأثار حفيظتك .
تعود أدراجك إلى البيت محملا بأكياس الخضر والفواكه ،حيث كانت والدتك في إنتظارك وكلها شوق أن تطبخ لك طبق الشخشوخة المفضل ،أما الحاج عبدالكريم والدك فقد ذهب الى المسجد كعادته كل يوم ليحضر نفسه لصلاة الظهر بالمسجد القريب ،كانت الأسئلة تتزاحم في قرارة نفسك عن ذلك الوجه الذي إستحالت المدينة إليه بعدما كانت مضرب المثل في الجمال والنظافة حيث كانت أفواج السًياح تشد الرحال إليها كل حين ،حتى المطربين أغراهم جمالها فخلدوها في أغانيهم .
أسئلة كثيرة راودتك ولم تجد لها مجيبا ؟
وحين يحل المساء ،تغرق المدينة في صمت رهيب في غياب الزوار الذين يملأونها ضجيجا وضوضاء في الصباح
ومحلات أوصدت أبوابها لتترك للأشباح مجالا فسيحا .
تعاود زيارتك للرصيف لعلك تعثر على بقايا صديق او شخصا يذكرك بتلك اللًحظات الجميلة ،لكن مافاجاءك تلك الأفرشة البالية للمشردين والمشردات حيث صار الرصيف مأوى لهم امام أعين الجميع ،يشتد غيضك وتتزاحم أسئلة أخرى : أن شيئا غريبا حدث ،لم تطق كلً مارأيت ،أحسست ببرودة شديدة تلفح وجهك في مساء شتوي مع دخول سنة فلاحية جديدة ،إنتابك شعور غريب تملؤه غربة الزمان والمكان ،ولم تتمالك نفسك حين عودتك إلى البيت وماإن ولجت الشارع الطويل حتى قابلتك وجوه لم تألف رؤيتها إنها غربة الإنسان ! وتزداد غربتك حيث أنك كلما أردت أن تتذكر شيئا وجدته صار غريبا
قررت أن تعود إلى المنفى الذي إعتدت العيش فيه ...
هي ثلاثة أيام مكثتها بالبيت ،وفي رابع يوم وبعد صلاة الجمعة شدً إنتباهك تجمع لشبان يحملون لافتات وهم يحتلون الرصيف ،وقفت وسط الحشد وقلبك ينبض سرورا أن جيلا قد إستيقظ ليعيد للمدينة بسمتها و لترجع الذكريات تزين ذلك الرصيف
الذي جمع ذات يوم جميل الذكريات.
حركاتي لعمامرة. الجزاىر 15 جانفي 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق