قصة قصيرة
لقاء الصدفة :::
مسرعة نجاة منذ الصباح الباكر تسابق شعاع الشمس المشرقة متجهة نحو محطة القطارات التي تبعد عن منزلها مدة عشر دقائق سيراً على الأقدام ، تحاول نجاة الهروب من واقعٍ مؤلم لازمها منذ أشهر دون أن يسعفها أيّ خبر عنه بعد أن غادرها بوداعٍ قصيرٍ لم تتجاوز مدته الدقيقة الواحدة ؛ كانت تعلم بأن وجهته الجبهة.
كان فريد شاباً في السابعة والعشرين من عمره ، أنهى دراسته الجامعية بتفوق، وكان قد تخصص بدراسة الهندسة المعمارية، وبعد محاولات ومقابلات عدة تمكن من الحصول على عملٍ لدى إحدى الوزارات الحكومية، كان ملتزماً نشيطاً متميزاً في عمله.
دقت طبول الحرب فاستدعيَّ إلى الخطوط المتقدمة من جبهة القتال كل من أمضى من الرجال والشباب فترات التدريب وفترة التجنيد الإجباري و أعمارهم تزيد عن العشرين عاماً .
اقتربت نجاة من محطة القطارات وكان لا زال صوت المذيع عبر الراديو يهنئ الناس بالانتصارات التي حققها الجيش والمقاتلون معه على العدو، فتنطلق الأناشيد الحماسية والثورية فتلهب قلوب الناس ويندفع الكثير من الشباب والأولاد نحو شاحنات عسكرية فارغة إلا من قليل من الضباط وبعض الجنود القادمين لجلب الدعم البشري للمقاتلين على الجبهة الأمامية، فيتزاحم الشباب لتسلق الشاحنات التي تنطلق بهم مسرعة وهم يهتفون وينشدون بالروح بالدم نفديك يا وطن.
بتثاقل وتعب شديدين وقلق بدأت نجاة بصعود الدرج المؤدي إلى صالة أستقبال المغادرين و القادمين من وإلى المحطة، وما أن وصلت أول مقعد خشبيّ مخصصاً لجلوس الناس الآتين لاستقبال القادمين من السفر، إلا وبها تُلقي بجسدها على المقعد وهي تتنهد من أعماقها والقلق يساورها من مجهول مؤلم تتوقعه.
توقف القطار، نهضت نجاة والكثيرين من المتواجدين لاستقبال القادمين من الجبهة، حاولت جاهدة أن تكون قبالة إحدى بوابات القطار ليتسنى لها أن تتعرف على القادمين عله يكون أحدهم.
بدأ الجرحى بالخروج من القطار وسط هتافات النصر المنطلقة من حناجر المستقبلين الذين انهالوا عليهم بالتقبيل والتهنئة بالنصر .
وأُنزِلَ نعشٌ مُسجى عليه جثمان شهيد ؛ نظرت نجاة لوجهه و لعينيه المسبلتين.
سالت من عينيها دمعة استقرت على جبينه وكتبت حبيبي فريد.
د. عز الدين حسين أبو صفية،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق