الثلاثاء، 14 يناير 2020

وجدان خضور احتدام مهجة ..

احتدام مهجة ..
يتجه دمع فؤادي صوب مدينتي العتيقة يبحث عن نبضة معلقة بمعراج الضوء والهديِ فهناك في حضن الليل القديم أرى وجه جسدي وقد أضاءه الشجر الأليف ورائحة اللوز. هناك من رحم النضار ولد نهاري وأصبح لدمي هوية غصونها عتبة معبأة بالحب كثيرا أتفيأ شموخي تحت هودج من غمامتين حبلى بالعشق والضوء السارح في عطور الشوق. وفي مهجة الليل أسرج خيلا في فمي لأقتفي الأثر عن دمي عن رائحة الصنوبر وبخور يرفرف على أجنحة اليمام وأبحث عن صوت الباعة في سوق العطارين وعطر الجدران القديمة العاشقة لرائحة البهار والحلوى التي تتغنى بأسلاف من التكوين الأولي.

أبحث عن ماء الوضوء الذي لم يغسل وزر قابلة قبضت ثمن إنجاب وليد ضرير ومن ثم ألقت بأحلامه خلف الظلام. وذهبت لتقض مضجع ساعي البريد بحبات أُخر من السبات العميق. حملت على خافقي جميع الرسائل التي أرسلتها منذ العصف الأول من الغربة ولم تصل بعد إلى العنوان المنشود فقد أصبح في غياهب النسيان وربما امتص حبرها أنين الورد.

لعل الذي أحببته في المدرسة قبل قرون لم ينجح في اختباراته وما زال يؤطر ببرزخ بين قصة كليوبترا وانطونيوس، واعتناق لزهد رابعة البصرية وكل المتعبين في هذا الزمن الضرير، أو لعل الساعي الذي كان يبعثر رسائلي ويصنع منها سفناً ورقية كي يرسلها إلى حبيبته مختالا باسمي وياقوت مدادي المثير للمشاعر قد نقلوه إلى التسجيل على بوابات الحدود. وأنا أيمم وجهي شطر أحزاني التي بح بها دمعي الغريب تعلمت بها دلالات العشق ومعني الحب الرقيق. تعلمت بها معاني الرجاء المقدس، وتعلمت بها الخطو إلى الله والبكاء والفرح والاحلام الجميلة.

لم تبق نبضة الا وقد أكلت من جسدي جزء واشتعل قلبي شيبا وأنا على شراشف الغربة لأنه لم يغمض جفن منفاي ولم تكتحل عيوني بمساحيق الحب والسلام والجوع؛ اعتصر خاصرة الوئام فلم اتنفس عبق مناقيش امي ولم يعجبني بعد مربى السفرجل الذي كانت تصنعه وتضعه على أية مائدة إفطار. أدخل النور العلوي من روحي وأسلم على كل شيء على القباب والأشجار واليمام أتنفس بتناهيد فسيفساء أجدادي على الشبابيك المزخرفة بألوان الحياة. أسلم على العسجد الصاعد إلى السماء وهو يلوح اليّ بالأمان والطهر. أسلم على التراب وأقطف شهدا حلوا من كلام الله.

مدينتي خضراء مضاءة بالحب بداياتها كأجنحة الحمائم البيضاء مغسولة بصندل الشهامة والتعاضد وأساسها مجبول بندى اليد الواحدة الذي يتكئ عليه الجار وهو آمن وحدائقها أغصان مودة ممدودة بالوصال والألفة الحميمية جئت اليك يا مدينتي وصليل الحرية بقلمي وبكل الشجون المنتشرة بقلبي وبجنون الوان مدادي فإن الحرف عندي عصف وبرق وزلزل وربما انجرفت برعونة ونزَق لكنني لم اخلع حزام عروبتي ولم ادنس بنعالي الواد المقدس.

اعترف اني حصلت على ميداليات ذهبية بالفداء من عروبتي وطوقني حبكم بالحبق والنور والياقوت لكن أحزاني طاعنة كالسنديان وعظامي تقف على جبيرة من شموخ وكبرياء. ضاعت حقيبتي المدرسية حين اعتراني القرنفل والريحان فلم أميز العطر. ضاعت تعويذة امي بآية الكرسي الملاصقة لي حيث أكون. أنا يمامتكم الخضراء يا عرب فمن يعثر علي فليسع لعودتي، ومن يجدني فليطعمني من قمح بلادي. أنا ياسمينتكم يا عرب فمن رآني منكم فليضعني في أول مزهرية اهتمام واحترام. أنا صاحبة الحرف المغروف من غمام مجنون لا أريد أن أشفى من جنوني البديع. أنا هواؤكم المبعد والمشتت في كل القارات فمن سمعني فليجد لي مأوى في الوطن كي أخلد إلى نومي المهاجر منذ احتدام المهجة.

وجدان خضور 
9/1/2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق