إلى ولــدي
=============------------- الشاعر حسن منصور
*************
نَصحْـتُكَ فاسْتمِعْ يا ابْني لِنُصْـحي || فـليسَ سوايَ في الدّنْيا نَصـيحُ
لأنّـكَ قِــطــعـةٌ مــنْ أمِّ قــــلـبي || وهـــلْ أرْتـاحُ إذْ قَـلبي جَريحُ؟
وهــلْ أغْــفـــو ويَهــنأُ لِي مَـــنامٌ || وأنْتَ بِخاطِـري طـيْـفٌ يَلـوحُ
يُنــاديـني، يَمُـــدُّ يَـديْــه نَحْــــوي || ويَفْــصِـلُ بـيْـنَــنا بَحـرٌ فَـسيحُ
ولكنْ رغْـمَ بُعــدِكَ عن عُـيونِي || فـإنّ الصّوتَ في قـلبي يَصيح
وكــمْ ناديْـتَــني إذْ أنتَ طــفـــلٌ || لكيْ أحْمـيكَ لـوْ هَزّتْـكَ ريـح
وكمْ لبّـيْـتُ صـوتَـكَ غــيـرَ وانٍ || وكـمْ لبّـتْكَ قـبْلَ الصّـوتِ روح
فحَــطّـمْـتُ الصّخــورَ بلا كَلالٍ || بِكــفٍّ لا تُبـالِي مــا الْجُـروحُ
ومَهّــدْتُ السّـبـيلَ بكلِّ جُـهــدي || لِتَعْــبُـرَهُ وخــطْـوُكَ مُـستَريـحُ
ولم أبْخـلْ عـلــيكَ بِنَـبْضِ قـلبي || ونُصْـحٍ مُشـرِقٍ فـيه الـوُضوح
نصَحـتُـكَ أنْ تكونَ عـلى يَقــينٍ || بأنّ العـلْــمَ مـنْهَـجُـنا الصَّحـيح
وأنَّ الفــوْزَ ذو طــعْــــمٍ زَكِــيٍّ || يَـراهُ مُــثـابِرٌ صَلْــبٌ لَـحـــوح
ولَـمْ يَشْرُفْ بِغـيـرِ العلــمِ سـاعٍ || ولا قامـتْ عـلى الدّنيـا صـُروح
وقدْ رَبّيْتُ روحَـكَ في التّسامي || وفي الأخْلاقِ يَصْحَبُها الطُّمـوح
لكي تَمْضي رَشيداً مُطْمـئـنّاً || إذا مـا كـنـتَ تَـغــدو أوْ تَــروح
فخُـذْ قِـيَماً غَـذتْكَ وأنتَ طـفْـلٌ || لتَحْــيا لا يُـــراوِدُكَ الْجُــــنـوح
وخُـذْ منْ جَـذْوَةِ الإيِـمانِ نوراً || فـفـيهِ ـ إن دَجـتْ ظُـلَمٌ – فُـتوح
وليْـسَ الــدّيـنُ زِيّــاً نَرتَـــديـه || ولا الإيِمــانُ تصْـنَعُـهُ الْمُـسوح
ولكـنْ في حَــنايا القـلْــبِ نورٌ || بـه يَـسْــمـو، وأخْــــلاقٌ وروح
فَسـِرْ واعْملْ وبادِرْ كلَّ خَـيـرٍ || ولا تَظْهـرْ كما ظهَــرَ الكَـسيح
وإنْ مَـنّـيْـتَ نـفـسَكَ أيَّ شيْءٍ || فَخُـذْ مـا يَفعلُ الْحُـرُّ الصَّريح
وحَـقِّـقْ مـا تُريدُ بِكَــدِّ ذِهــنٍ || وكَــفٍّ لا تُغــادِرُهـا القُـــروح
كذا فِعْـلُ الرّجالِ إذا اسْتَعـدّوا || لَهـمْ عَـــرَقٌ رَوائحُـهُ تَـفــوح
وكمْ رزَحتْ نفوسٌ تَحتَ وَهْمٍ || فـحَــوّلَها عَـبـيـداً ذا الـرُّزوح
وسارتْ في طريقٍ غـيرِ هادٍ || وعـنْ كـدْحٍ إلى العَـليا تُـشيح
وكمْ من هـائِمٍ عــثَرَتْ خُطاهُ || فـيبْقى العـمرَ في الدُّنيا يَسيح
يُمَنّي النّفسَ والأحْـلامُ تَتْـرى || ومُهْـرُ الوَهْـمِ مُنْطَـلِقٌ جَموحُ
يَـسيرُ بــه إلى لُــجِّ الأعــالِي || وفـوقَ السُّحْبِ يأخُذهُ الْجَموحُ
بـلا نَهْــجٍ ولا نـورٍ مُـبـيـنٍ || ولـيس لـهُ حِجىً هـادٍ كَـبــوحُ
فيا ابْني لا تَكـنْ تبَعــاً مَقوداً || فـذلكَ بالْـمُــروءَةِ قــد يُـطـيحُ
وحــاذِرْ كُلَّ شـيْطانٍ مَــريدٍ || تَنـكّـرَ كي يُـقـالَ لَــهُ (مَسـيحُ)
لهُ قـلـبُ الْمُنافِــقِ فهْــوَ زاهٍ || وفي الْخَـيراتِ مَذْهَـبُه شَحـيح
إذا يومــاً تَكلَّمَ فــهـوَ (قَسٌّ) || يَشُـدُّ النّاسَ مَنطِـقُه الفَـصيحُ
وغايَـــتهُ بـأنْ يُومَى إِلــــيهِ || ويَخــطُبُ كيْ يُكالَ لهُ الْمَديح
وما ضَحّى لوَجْهِ اللهِ شـيْـئاً || سوى قــوْلٍ وأجْـفــانٍ تَنـوح
وقَـوْلٌ دونَـمـا فِعــلٍ نِفــاقٌ || شَـبـيهُ السُّـمّ يُــرْســلُهُ فَـحـيح
ولا تأمَلْ من الشّيْطانِ خيْراً || فإنّ القُــبْـحَ يَفـعَــلُـه القَــبـيح
وكُنْ كاللَّيْثِ تَرهَبُه الضّواري || وتَحْــذَرُ أنْ تُجـاوِزَ ما يُبـيـحُ
ويا ابْني عِـشْ قَـويّاً مُسْتَقلاًّ || فإنّ الْحَـزْمَ في الدّنْـيا مَـلـيح.
*****************************************************************
الشاعر حسن منصور
من المجموعة السادسة، ديوان (عندما يكبر الأسى) ط2 ـ 2014م. دار أمواج (عمان)ـ ص 75
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق