الخميس، 30 ديسمبر 2021

من قصص الشعر الطريفة : علي. بن الجهم و المتوكل العباسي بقلم : أحمد السيد


 من قصص الشعر الطريفة :

 علي. بن الجهم و المتوكل العباسي

بقلم : أحمد السيد 

 

يقولون : وفد الشاعر علي بن الجهم على الخليفة العباسي المتوكل ليمدحه. و حين انتصب بين يديه قال مخاطبا المتوكل : 


أنتَ كالكلبِ في حفاظِكَ للودِّ     

و كالتّيسِ  في قِراعِ الخُطوبِ 


و حمارٌ في الصبرِ أيُّ  حمارٍ

لاحتمالِ الأعباﺀِ دونَ الركوبِ 


 أنت كالدلوِ لا عدمناكَ دلواً 

من كبارِ الدِّلا كثير الذَّنوبِ 


فهاجت الحاشية يريدون البطش بالشاعر قليل الأدب فألزمهم الخليفة السكون لأنه علم أن ابن الجهم لم يرد الإساﺀة و إنما امتدح الخليفة بما يراه في بيئته : 

فالكلب مضرب المثل في الوفاﺀ

و التيس ينطح و يدفع الضرر و العدو بقرنيه 

و الحمار صبور يحتمل الأعباﺀ و المكاره 

والدلو. أداة لجلب الماﺀ العذب من الآبار و يراد بهذا التشبيه الكرم فعطاﺀ الممدوح على هذا الأساس لا ينضب 


و أمر الخليفة باستضافة الشاعر في قصر ببغداد بضعة أشهر يجيﺀ في نهايتها بقصيدة ليمدحه بها 

فالمتوكل يريد تغيير بيئة الشاعر الخشنة إلى المدنية   و التحضر و الرفاهية عسى أن ترق طباعه و شعره 


و بعد ستة أشهر وقف علي بن الجهم أمام المتوكل و استهل مديحه بمقدمة غزلية منها : 


عيونُ المها بينَ الرُّصافةِ و الجسرِ 

جلبنَ الهوى من حيثُ أدري و لا أدري 


 أعدْنَ ليَ الشوقَ القديمَ و لم أكنْ 

سلوتُ و لكنْ زِدْنَ جمراً على جمْرِ 


و يقول بعض الباحثين إن القصة من تأليف القطب الصوفي ابن عربي فالرد أن شعر ابن عربي ليس بهذا المستوى ..فقد يكون ابن الجهم قال الأبيات يعبث بها بأحد الأشخاص سخرية و لهوا ..ثم تم نسج قصة مدحه الخيالية للمتوكل 

على كل القصة طريفة ظريفة لطيفة ..و تؤكدفكرة تأثر الشاعر ببيئته .. و لو عاش ابن الجهم في عصرنا لربما قال : 


لا تغلقي الهاتف يا ستّي 

أو تحظري قلبي عن النتِّ 


مليونُ لايكٍ قد بعثتُ بها 

كي لا تقولي : الحبُّ كالزفتِ


و ابن الجهم هو صاحب هذه الأبيات التي تنسب خطأً للمتنبي : 


أَبلِغ أَخانا تَوَلّى اللَهُ صُحبَتَهُ

أَنّي وَإِن كُنتُ لا أَلقاهُ أَلقاهُ

وَأَنَّ طَرفِيَ مَوصولٌ بِرُؤيَتِهِ

وَإِن تَباعَدَ عَن مَثوايَ مَثواهُ

اللَهُ يَعلَمُ أَنّي لَستُ أَذكُرُهُ

وَكَيفَ أَذكُرُهُ إِذ لَستُ أَنساهُ 


إضافات : 

ه-----------


1- في المنشور تشكيك بالقصة و أن هنالك من قال بأن واضعها هو محيي الدين بن عربي و شككت بكون ابن عربي هو واضعها لا بكون الوضع مقبولا 

2- ابتعد ابن الجهم عن المأمون و المعتصم و الواثق و انضم إلى المتوكل لتراجع المتوكل عن عقيدة أسلافه ( الاعتزال ) 

فعلاقة ابن الجهم بالمتوكل حقيقة 

و كانت قصور الخلفاﺀ تشهد مداعبات و تجاوزات قصد الإضحاك و إشاعة السرور 

3- لم ترو القصة عن غير ابن الجهم .. مع أن الأبيات من الناحية الفنية تدل على شاعر متمكن و لا يشترط أن يرويها الجاحظ لحدوثها 

فالأغاني و هو موسوعة ضخمة دونه أبو الفرج و اهداه لسيف الدولة مترجما لشعراﺀ عرب من الجاهلية حتى عصر المؤلف و لم يترجم للمتنبي و هو معه في حلقة سيف الدولة 

4- اخبار الأدب لا ندقق فيها كما يتم الأمر في علوم الحديث و في كتابة التاريخ 

فلو طبقنا شروط المحدثين و قواعد المؤرخين لنسفنا معظم المدونات و الأخبار الأدبية 

و هذا ما أراد فعله طه حسين فنسف وجود امرئ القيس و معظم الشعر الجاهلي 

5- لهذه القصة هدف هو : تأثر الشاعر ببيئته و بقية الكلام تمليح و تزيين 

6- كان البحتري و مروان بن أبي الجنوب شاعرين منافسين لابن الجهم في حلقة المتوكل 

فلعل أحدهما نظم هذه الأبيات و زعم أن ابن الجهم كتبها ليُضحك بها الناس و ليشيع أنه قاله في المتوكل 

و ذلك لأن المتوكل غضب على ابن الجهم نتيجة دسيسة و وشاية نقلت له عن الشاعر 

فما كان من ابن الجهم إلا أن غادر للجهاد ضد الروم و لم يصل للثغور فقد انقض عليه بدو من بني كلاب في حلب و قتلوه 


فتأمل : من الذي أغراهم بقتله ؟ 


           أحمد السيد 

حلب : 2016/12/29م ٍ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق