لغتنا الجميلة
البحث السادس عشر
في الشعر.. واختلاف القدماء حول من هو أشعر الشعراء
القسم الأول
لم بتفق العرق القدماء على شاعر واحد على أنه أشعر الناس .. و انما كانت تتوارد على السنتهم أن فلانا أشعر الناس في الوصف .ز و آخر في المديح و ثالث فء الهجاء .. الخ
و أحيانا كان يسأل أحدهم عن أشعر الناس .. فيجيب بقوله : فلان لأنه قال .. كذا .. أو بييتا من الشعر أو شطرا واحدا.. و هكذا
الا أنه لابد من القول .. أن معظمهم اتفق على أربعة من شعراء العرب القدامى .ز و هؤلاء الأربعة هم كل من :
امرئ القيس .. و النابغة الذبياني .. و زهير بن أبي سلمى .. و الأشى ميمون أعشى بكر
وقد تحدثت كتب التراث كثيرا عن الشعر و الشعراء ومن هو أشعر الناس ..
و سأنشر - عددت من البحوث - ما جاء حول هذا الموضوع في عدد من هذه الكتب , و هي :
1- كتاب " العقد الفريد " لابن عبد ربه الأندلسي
2- كتاب " العمدة في محاسن الشعر و آدابه " لابن رشيق القيرواني
3- كتاب " جمهرة أشعار العرب في الجاهلية و الاسلام " لأبي زيد القرشي
4- كتاب " نور القبس " ، للحافظ اليغموري
5 – كتاب " الأغاني " لأبي الفرج الأصفهاني
قال النبي (ص ) ، و قد ذكر عنده امرؤ القيس بن حجر :
هو قائد الشعراء و حامل لوائهم .
و قال عمر بن الخطاب لوفد قدموا اليه من غطفان : من الذي يقول :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... و ليس وراء الله للمرء مذهب
لئن كنت قد بلغت عني خيانة ... لمبلغك الواشي أغش و أكذب
و لست بمستبق أخا لا تلمُّه... على شعث ، أي الرجال المهذب
قالوا : نابغة بني ذبيان . ثم قال لهم : و من الذي يقول :
أتيتك عاريا خَلَقاً ثيابي ... على وجل تظن بيَ الظنونُ
فألفيت الأمانة لم تخنها ... كذلك كان نوح لا يخون
قالوا هو النابغة . قال : فمن الذي يقول :
فانك كالليل الذي هو مدركي ... و ان خلت أن المنتأى عنك واسع
قالوا : هو النابغة أيضا , و في " الأغاني " سأل عمر الوفد .. و من الذي يقول :
الا سليمان اذ قال الاله له ... قم في البرية فاحددها على الفند
و خبر الجن اني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح و العمد
قالوا : النابغة . قال : هو أشعر شعرائكم .
و فال عمر لابن عباس مرة :
أنشدني لأشعر الناس ، الذي لا يعاظل القوافي ( أي لا يعقد و لا يوالي بعضه فوق بعض ) و لا يتتبع حوشي الكلام . قال من ذلك يا أمير المؤمنين ؟ . قال :
زهير بن أبي سلمى .
فلم يزل ينشده من شعره حتى أصبح .
و كان زهير لا يمدح الا مستحقا ، كمدحه لسنان بن أبي حارثة ، و هرم بن أبي سنان ، و هو القائل :
و ان أحسن بيت أنت قائله ... بيت يقال اذا أنشدته صدقا
و كذلك قوله : أحسن القول ما صدقه الفعل .
قالت بنو نمير لسلامة بن جندل :
مجّدنا بشعرك . قال : افعلوا حتى أقول .
و قيل للبيد :
من أشعر الشعراء ؟ قال :
صاحب القروح ، يريد امرؤ القيس ، قيل له : فبعده من ؟ قال : ابن العشرين : يعني طرفة . قيل : فبعده من ؟ . قال أنا .
و قيل للحطيئة : من أشعر الناس ؟ قال : النابغة اذا رهب ، و زهير اذا رغب .
و قال أبو عمرو بن العلاء :
طرفة أشعرهم واحدة ، يعني قصيدته :
لخولة أطلال ببرقة ثهمد
و فيها يقول
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... و يأتيك بالأخبار من لم تزود
و أُنشِد النبي هذا البيت فقال : هذا من كلام النبوة .
و سمع عبدالله بن عمر رجلا ينشد بيت الحطيئة :
متى تأته تغش الى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
فقال : ذاك رسول الله ( ص ) ، اعجابا بالبيت . يعني أن هذا المدح لا يستحقه الا رسول الله (ص) .
و سئل الأصمعي عن شعر النابغة ، فقال :
ان قلتَ ألين من الحرير ، صدقت ، و ان قلت أشد من الحديد ، صدقت .
و سئل حماد الراوية ، عن شعر ابن ابي ربيعة ، فقال :
ذلك الفستق المقشر الذي لا يشبع منه .
و قالوا في عمرو بن الأهتم : كان شعره حللا منشرة ،
و سئل أبو عمرو بن العلاء عن جرير و الفرزدق ، فقال :
هما بازيان ، يصيدان ما بين الفيل و العندبيل .
و قال جرير : أنا مدينة الشعر ، و الفرزدق نبعته .
و قال بلال بن جرير : قلت لأبي : يا أبت ، انك لم تهج قوما قط الا وضعتهم ، الا بني لجأ .
قال : اني لم أجد شرفا فأضعه ، و لا بناء فأهدمه .
و اختلف الناس في أشعر نصف بيت قالته العرب . فقال بعضهم ، قول أبي ذؤيب الهذلي :
و الدهر ليس بمعتب من يجزع
و قال بعضهم : قول حميد بن ثور الهلالي :
نوكَّلُ بالأدنى ، و ان جلَّ ما يمضي
و قال بعضهم : قول زُميل بن أبرد الفزاري :
" و من يك رهنا للحوادث يغلق "..
و صدر البيت : أجارتنا من يجتمع يتفرق
و قيل : ان لحسان بن ثابت أفخر بيت قالته العرب :
و بيوم بدر اذ يرد و جوههم ... جبريل تحت لوائنا و محمد
و أما أحكم بيت فقوله :
و ان امرأ أمسى و أصبح سالما ... من الناس الا ما جنى لسعيد
و قالوا : أهجى بيت قالته العرب ، قول جرير :
و التغلبي اذا تنحنح للقرى ... حكَّ استه ، و تمثَّل الأمثالا
و لما قال جرير هذا البيت قال : و الله لقد هجوت بني تغلب ببيت ، لو طعنوا في أستاههم بالرماح ، ما حكّوها .
و يقال : ان أبدع بيت قالته العرب ، قول أبي ذؤيب الهذلي :
و النفس راغبة اذا رغّبتها ... و اذا ترد الى قليل تقنع
و يقال : ان أصدق بيت قالته العرب ، قول لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... و كل نعيم لامحالة زائل
قيل لأبي عمرو بن العلاء :
أي بيت تقوله العرب أشعر ؟ قال :
البيت الذي اذا سمعه سامعه ، سوّلت له نفسه أن يقول مثله ، و لئن يخدش أنفه بظفر كلب ، أهون عليه من أن يقول مثله .
و قيل للأصمعي :
أي بيت تقوله العرب أشعر ؟ . قال :
الذي يسابق لفظه معناه .
و قيل للخليل :
أي بيت تقوله العرب أشعر ؟ . قال :
البيت الذي يكون في أوله دليل على قافيته .
و قيل لغيرهم :
أي بيت تقوله العرب أشعر ؟ . قال :
البيت الذي لا يحجبه عن القلب شيء .
و ان أحسن من هذا كله ، قول زهير :
و ان أحسن بيت أنت قائله ... بيت يقال اذا أنشدته صدقا
......
خالد ع . خبازة
اللاذقية
من كتاب " العقد الفريد " .. لابن عبد ربه مع التصرف أحيانا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق