الأحد، 13 ديسمبر 2020

لغتنا الجميله...بقلم الشاعر... خالد خبازة

 لغتنا الجميلة

البحث الثامن عشر

في سرقات الشعراء و اقتباساتهم و توليدهم لمعاني بعض  من سبقهم

كثيرا ما كانت الشعراء يغيرون على اشعار غيرهم فياخذون  منها  و يضيفون و كانوا كثيرا ما يبدعون بتوليدهم المعاني و استخراجهم صورا بيانية رائعة.. 

فهل يعتبر ذلك سرقة .. أم ابداعا

نقول :

ان الأمر يختلف بين أن يأخذ الشاعر معنى انفرد به من سبقه .. فزاد عليه أو اقتبس منه نتفة و قام بتطويرها بحيث يخرجها اخراجا جديدا و صورة مختلفة بديعة

جاء في كتاب " العمدة ... " لابن رشيق :

اعلم بأنك متى ما نظرت بعين الانصاف ، و قطعت بحجة العقل ، علمت أن لكل ذي فضل فضله . و لا ينفع المتقدم تقدمه ، و لا يضر المتأخر تأخره .) :

و المخترع من الشعر ،هو ما لم يسبق اليه قائله و لا عمل أحد من الشعراء قبله نظيره ، أو ما يقرب منه .. كقول امرئ القيس من الطويل و القافية من المتواتر :

سموت اليها بعدما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالا على حال

فانه أول من طرق هذا المعنى و ابتكره ، و سلم الشعراء اليه ، فلم ينازعه أحد اياه .

و قوله من الطويل أيضا :

كأن قلوب الطير رطبا و يابسا ... لدى وكرها العناب و الحشف البالي

و ما زالت الشعراء تخترع و تولد ..

و التوليد أن يستخرج الشاعر معنى من معنى لشاعر تقدمه ، أو يزيد عليه زيادة ..

لذلك يسمى بالتوليد ، و ليس بالاختراع . و لا يمكن اعتبار ذلك سرقة

كقول امرئ القيس :

سموت اليها بعدما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالا على حال

فقال عمر بن أبي ربيعة من السريع و القافية من المتدارك :

فاسقط علينا كسقوط النوى ... ليلة لا ناه و لا زاجر

فولّد معنى مليحا اقتدى به بمعنى امرئ القيس دون أن يشركه بشيء من لفظه ، أو ينحو نحوه الا في المحصول ، وهو لطف الوصول الى حاجته في خفية .

و أما الذي فيه زيادة فكقول جرير يصف الخيل من البسيط :

يخرجن من مستطير النقع دامية ... كان آذانها أطراف أقلام

فقال عدي بن الرقاع يصف قرن الغزال من الكامل :

تزجي أغن كأن ابرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها

فولد بعد ذكر القلم ، اصابته مداد الدواة ، بما يقتضيه المعنى .، اذ كان لون قرن الغزال أسودا .

و أورد هنا بعضا من تناوله الشعراء بالتوليد .. و أحيانا لا تخرج عن السرقة الموصوفة

قال أبوالعلاء المعري :

و العيس أقتل ما يكون لها الظما ... و الماء فوق ظهورها محمول

و قال أديب اسحق ( شاعر معاصر )زز ور بما الشعر صمنه تضمينا .. و لم يقصد سرقته :

كالعيس في البيداء يقتلها الظما ... و الماء فوق ظهورها محمول

و قال عبدالملك الحارثي :

و ما زرتكم عمدا و لكن ذا الهوى ... الى حيث يهوى القلب تهوي به الرجل

أخذ المعنى  ابن الحجاج (  شاعر من العصر البويهي )

أمشي بقلبي لا برجلي انما ... تمشي بحسب هوى القلوب الأرجل

أما المتنبي فيقول

و كنت اذا يممت أرضا بعيدة ... سريت فكنت السر والليل كاتمه

أخ المعنى ابن زيدون فقال :

سران في خاطر الظلماء يكتمنا ... حتى يكاد لسان الصبح يغشينا

كما أخذ المعنى ابن جابر الأندلسي فقال :

بواطئ فوق خد الصبح مشتهر ... و طائر تحت جنح الليل مكتتم

و قال عمرو بن قميئة / شاعر  جاهلي

كانت قناتي لا تلين لغامز ... فألانها الاصباح و الامساء

و دعوت ربي في السلامة جاهدا ... ليصحني ، فاذا السلامة داء

أخذ المعنى لبيد بن ربيعة .. فقال :

كانت قناتي لا تلين لغامز ... فألانها الاصباح و الامساء

و دعوت ربي في السلامة جاهدا ... ليصحني ، فاذا السلامة داء

و الحطيئة  يقول :

ما كلف الله نفسا فوق طاقتها ... و لا تجود يد الا بما تجد

أخذ المعنى أبو تمام فقال :

فلو صورت نفسك لم تزدها ... على ما فيك من كرم الطباع

و هذا المعنى في الشطر الأول .. ربما أخه من قول حسان بن ثابت في الرسول عليه الصلاة و السلام

و أحسن منك لم تر قط عيني ... و أجمل منك لم تلد النساء

خلقت منزها من كل عيب ... كأنك قد خلقت كما تشاء

حسان بن ثابت

و قال  م جميل بثينة مفتخرا

ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وان نحن أومأنا الى الناس وقفوا

أخذه الفرزدق بالكامل

أبو الشيصالخزاعي يقول في أبيات متغزلا :

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه و لا متقدم

أخذ المعنى أبو نواس فزاد عليه  وفأبدع ايما ابداع بقوله مادحا :

فما جازه جود ، ولا حل دونه ... و لكن يسير الجود حيث يسير

أما بشار بن برد فيقول :

من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... و فاز باللذة الفاتك اللهج

أخذ المعنى راويته سلم الخاسر ..  فاختصر .. فكان بيته أكثر بلاغة ..  فغضب بشار منه غضبا شديدا .. و قال له : يا عدو الله شرقت المعنى و غدا ينتشر عرك و يموت شعري  .. و بيت سلم الخاسر يقول :

من راقب الناس مات هما ... وفاز باللذة الجسور

و في أبيات قال أبو الهتاهية راثيا :

طوتك خطوب دهرك بعد نشر ... كذاك خطوبه نشرا وطيا

و كانت في حياتك لي عظات ... و أنت اليوم أوعظ منك حيا

سرق المعنى هنا الشاعر المهجري ايليا أبو ماضي .. فأخذ المعنى كاملا لفظا و معى انما قام بتغيير أماكن ألفاظه  و لم يزد عليه  .. و أنا برأيي أعتبر ما قام به سرقة موصوفة .. يقول :

يعظ العالم الخلائق حيا ... انما موته أجل عظاته

و امرؤ القيس يقول في معلقته

وقوفا بها صحبي علي مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى و تجمل

أخه طرفة اب العبد في معلقته أيضا و قام بتغيير كمة القافية فقال :

وقوفا بها صحبي علي مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى و تجلد

أو من أبيايت المتنبي الرائعة قوله

أزورها و سواد الليل يشفع لي ... و أنثني و بياض الصبح يغري بي

و ربما أخذ المعنى من القول

يقال : ان الليل ستار العيوب 

و يعتبرعثمان بن جني أن المتنبي ربما أخذ هذا المعنى من قول ابن المعتز :

لا تلق الا بليل من تـــــواصله ... فالشمس نمامة .. و الليل قواد

كم عاشق و ظلام الليل يستره ... لا قى الأحبة  و الواشون رقاد

 

و لا بد من التذكير .. أن الاقتباس شيء و هو مسموح  بين الشعراء أو ما يسمى بتوليد المعاني  .. و هو يختلف كثيرا عن السرقة .

...

خالد ع . خبازة

اللاذقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق