**عِطرٌ و شَوکٌ**
أيُّ ذکْرَی مِن عِطرِ أنفاسِ أمسِي
عَبقَتْ مِن عَبیرِ وَصْلٍ وَ أنْسِ
أيُّ نَفْحٍ مِن خَافِقاتِ حَنینِي
قد تَهادَی فِي النّبْضِ زَفّةَ عِرسِ
حِینَ کانَ الشّبابُ نَورَسَ حُلمٍ
بُهرةً مِن سَنَا و اؔلاءَ قُدسِ
حینَ کَانَ النَّبضُ الشَّغُوفُ خِضَمًّا
فاٸرًا مَوجُهُ بأشذَاءِ حِسِّ
حِینَ کانَ الحَرفُ الشَّفیفُ شِرَاعًا
فِي مَرَافٍ مِنَ الأهازیجِ یُرْسِي
و مِدادُ الهَوَی بِفَيْء القَوافي
یَغزِلُ البَوحَ مِن غِلالاتِ شَمْسِ
و یَصُوغُ الحُروفَ نَسجَ شِغافٍ
قَد کَسَتْهُ الأشواقُ بُردَ دِمَقْسِ
.
کانَ أمسًا مُعَمَّدًا بالأمَاني
ناعِمًا مُرهَفًا شَفيفًا كهَمْسِ
و شُموسُ الشَّبابِ عِشقًا و شِعرًا
تَسکبُ الدِّفْءَ في ضُلوعِ التَأسِّي
أغنِیَاتٍ لِلحُبِّ تَهفُو عَطاشَی
شَنَّفَت مَسمَعِي أهازِیجَ عُرسِ
و القَوافِي أعلامُنا خَافِقَاتٍ
نَمشُقُ الشّعرَ سَیفَ عِزٍّ و بأسِ
حینَ کانَت أوطانُنا نَهرَ شَهدٍ
کَوثَرًا مِن زُلالِ سِلْمٍ و أُنسِ.
رَفَّ قَلبِي لِنَفْحَةٍ مِن أثیرٍ
أترَعَت بالعَبیرِ قَلبي وَ کَأسي
فَزَمَانِي قَد طلّقَتهُ غُیومٌ
وَ اَستَحَلَّت أَفیَاءَهُ نَارُ رِجْسِ
وَ طُیُوري قَد هَاجَرَت مِن صَقیعٍ
فِي رَبیعٍ تغتالُهُ یَدُ إِنسِ
وَ شُجُوني قَد صَادَرَت أمنِیَاتي
و اَستَباحَت بِالعُقمِ حَرفِي و نَفسِي
فأنا الیَومَ في دُرُوبِ التَّشظّي
وَ الأسَی في الضُّلوعِ یُضحِي و یُمسِي
فِي أتُونٍ مِن ناٸِباتِ زَمانِي
أحتَسِي الجَمرَ مِن تبارِیحِ یأسِي
فِي مُرُوجٍ لم یَبقَ فیهَا أرِیجٌ
وَ رُبُوعٍ مطحُونةٍ طَحنَ ضِرسِ
وَ رَمادُ الظُّلمِ المُخَضَّبِ قَهرًا
لَفَّ أمدَاءَنا بِأسْمَالِ بُٶسِ
هَذهِ الذِّکرَیَاتُ فَرْحٌ و تَرْحٌ
حُکتُها مِن نَسِیجِ سَعْدٍ و تَعْسِ
تُربةٌ مِن شَذًا سَتُنبتُ شَوکًا
وَ حَدیثٌ مَا بَینَ جَهرٍ و هَمسِ:
سَلسَبیلُ الشَّبابِ أضحَی مَرَارًا
حِینَ رَفَّ البَیَاضُ یَغتالُ رَأسِي
فُلَّ عَزمِي.. أدمَنتُ أحلَامَ وَهمِي
و دَسَستُ الضُّلوعَ في قَیدِ حَبسِ
سِندِبادٌ أنا... بِغَمْرِ عُبابٍ
زَورَقي تَاٸِهٌ فَأیَّانَ یُرسِي؟
کَیفَ ثَغرُ الشََبابِ أجدَبَ بَوحًا
عَفَّرَته الأیّامُ طِینًا بِرَمسِ؟
کیفَ إکسِیرُ جَذوَتي صَارَ ثَلجًا؟
کیفَ أضحَت أفراحُنا مَحضَ خَلسِ؟
وَ وِسَادُ اللَّذَّاتِ صَارَ سُهادًا
کیفَ بِیعَت أحلُامُهُ بَیعَ بَخسِ؟
و رَبیعُ الأوطانِ أضحَی صَقیعؑا
رَایةً خُضِّبَت بألوَانِ نَحسِ؟
یاحَنینًا في خَاطِري لَیسَ یَغفُو
ناخِسًا فِي حُشاشَتي مُرَّ نَخْسِ
یا صَدیق الظَّلامِ یا سُهْدَ لَیلِي
یا وِسَادِي قَد قُدَّ من شَوکَ یأسِي
یَا عُیونَ الصِّبَا بخُضرَةِ خِصبٍ
کیفَ جَدبُ الیَبابِ حَلّ بغَرْسِي
یا عُیونَ الشّبابِ للنّورِ تَهفُو
کیفَ تَفرِي البَریقَ عَتمَةُ غَلْسِ؟
**
کَم أرُومُ الأَوطَانَ فَيْءَ خَمیلٍ
نَفحةً مِن نَسیمِ ظلٍّ و شَمسِ
وَ أرُومُ الغَرامَ زَخّاتِ مُزْنٍ
نَبضةً ثَرّةً و أندَاءَ حِسِّ
و أرُومُ الأشعارَ نَفْثةَ سِحرٍ
ما رَوَتهَا أسفَارُ رُومٍ و فُرسِ
مِن سَنَاها سَأصْقلُ الحَرفَ دُرًّا
و عَلی نَخْبِها سَأتْرِعُ کَأسِي
عَلّني أُثمِلُ الوُجُودَ سُلافًا
و بِمَاءِ الضِّیَاءِ أغْسِلُ نَجْسِي
أعتَلي دَکَّةَ الفَخارِ وَ أعلُو
فِي بسَاطِ الأحلَامِ مِن نُور قَبْسِ
وَ کَنَخْلِ الشُّمُوخِ للأفقِ أرنُو
شَذَراتُ الضِّیاءِ تمهُرُ حَدْسِي.
بَینَ عِشقي و لَوعَتي و حَنینِي
قِصّةُ الشّعرِ بِیعَ في سُوقِ بَخْسِ
غیرَ أنّي لَن أستَکینَ لجُرْحٍ
نَازفٍ یَسْتَبِي حَماسِي بِتَعْسِ
إن تمَادَی شَرخًا بِحَرفي وَ نَبضِي
وَیلَ نَفسِي مِن شَوقِ یَومِي لِأمسِي.
(سعیدة باش طبجي*تونس)
الأحد، 20 ديسمبر 2020
عطر وشوك...بقلم الشاعره...سعيدة باش طبجي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق