السبت، 8 أغسطس 2020

خالد خبازة... لغتنا الجميلة

 لغتنا الجميلة 

 

في الشعر و الأوزان الشعرية


البحث الرابع


في المعاني


كنا تحدثنا في البحوث السابقة


عن الشعر و تفعيلاته و أصوله التي أتى بها الفراهيدي و أن هذه الأصول مقسمة الى أسباب و أوتاد و فاصلة تحدثنا عنها تفصيلا .. كما تحدثنا عن الشعر بشكل عام و كيف نشأ أصلا على ألسنه الفصحاء العرب و ذكرنا لماذا تم تسميته قريضا كما سميت القصيدة و كيف سميت قافية .. الخ .. و تحدثنا عن المقاطع و المطالع  و عن مراتب الشعراء ...


و اليوم سيكون  حديثنا جول المعاني في الشعر العربي


أولا : في اختراع المعاني و ابتكارها :


قال الجاحظ : 

أجود الشعر ، ما رأيته متلاحم الأجزاء ، سهل المخارج ، فتعلم بذلك انه أفرغ افراغا جيدا ، و سبك سبكا واحدا ، فهو يجري على اللسان كما يجري الدهان .


و المخترع من الشعر ،هو ما لم يسبق اليه قائله و لا عمل أحد من الشعراء قبله نظيره ، أو ما يقرب منه .. كقول امرئ القيس من الطويل و القافية من المتواتر  :


سموت اليها بعدما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالا على حال


فانه أول من طرق هذا المعنى و ابتكره ، و سلم الشعراء اليه ، فلم ينازعه أحد اياه .


و قوله من الطويل أيضا :


كأن قلوب الطير رطبا و يابسا ... لدى وكرها العناب و الحشف البالي


و ما زالت الشعراء تخترع و تولد ..


و التوليد أن يستخرج الشاعر معنى من معنى لشاعر تقدمه ، أو يزيد عليه زيادة ..


لذلك يسمى بالتوليد ، و ليس بالاختراع . و لا يمكن اعتبار ذلك  سرقة


كقول امرئ القيس :


سموت اليها بعدما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالا على حال


فقال عمر بن أبي ربيعة من السريع و القافية من المتدارك  :


فاسقط علينا كسقوط النوى ... ليلة لا ناه و لا زاجر


فولّد معنى مليحا اقتدى به بمعنى امرئ القيس دون أن يشركه بشيء من لفظه ، أو ينحو نحوه الا في المحصول ، وهو لطف الوصول  الى حاجته في خفية .


و أما الذي فيه زيادة فكقول جرير يصف الخيل من البسيط  :


يخرجن من مستطير النقع دامية ... كان آذانها أطراف أقلام


فقال عدي بن الرقاع يصف قرن الغزال من الكامل :


تزجي أغن كأن ابرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها


فولد بعد ذكر القلم ، اصابته مداد الدواة ، بما يقتضيه المعنى .، اذ كان لون  قرن الغزال أسودا .


بين اختراع المعنى و الابداع :


و الفرق بين الاختراع و الابداع - و ان كان معناهما في العربية واحدا - أن الاختراع خلق للمعاني التي لم يسبق اليها .. و الاتيان بما لم يكن منها قط ؛ و الابداع اتيان الشاعر بالمعنى المستظرف ، الذي لم تجر العادة بمثله ، ثم لزمته هذه التسمية حتى قيل له بديع . و ان كثر و تكرر ، فصار الابداع للفظ و الاختراع للمعنى ؛ فان تم للشاعر أن يأتي بمعنى مخترع و لفظ بديع ، فقد استولى على الأمد ، و حاز قصب السبق .


ثانيا :  في  المجـــاز :


كثيرا ما استعملت العر ب المجاز ، وكانت تعده من مفاخرها ، فانه دليل الفصاحة ، و رأس البلاعة ، و به بانت لغتها عن سائر اللغات .


و معنى المجاز .. طريق القول و مأخذه . و هو مصدر  جزت مجازا .. كما تقول قمت مقاما ، و قلت مقالا .


و المجاز في كثير من الكلام أبلغ من الحقيقة ، و أحسن موقعا في القلوب و الأسماع . و صار التشبيه و الاستعارة و الكناية و غيرهما من محاسن الكلام ، داخلة تحت مفهوم المجاز


قال جرير بن الخطفي من الوافر:


اذا سقط السماء بأرض قوم ... رعيناه و ان كانوا غضابا


أراد المطر لقربه من السماء . و يجوز أن يريد بالسماء السحاب ، لآن كل ما أظلك فهو سماء ، و قال سقط .. يريد سقوط المطر الذي فيه .. و قال رعيناه ، و المطر لا يرعى و لكن النبت الذي يكون عنه ، فهذا كله مجاز .


و مثال على المجاز أيضا قوله تعالى :


" و اسأل القرية " .. أي اسأل أهل القرية


و قوله تعالى :


" و أشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم " .


و قوله :

" و الله خير الماكرين " و انما سمى ذلك مكرا لأنه مجازاة عن مكر .


و كذلك قوله :

" فبشرهم بعذاب أليم " .. و العذاب لا يبشر به .


و قوله تعالى عن آدم و حواء :


" فلما تغشاها " كناية عن الجماع .


و من أناشيد هذا الباب قول الفرزدق من الكامل و القافية من المتواتر :


و الشيب ينهض في الشباب كأنه ... ليل يصيـــح بجانبيــــه نهــــار


و العرب تقول : بأرض فلان شجر قد صاح .. أي طال .


و قال ابن السكيت :


لما تبين الشجر بطوله ، و طل على نفسه ، فكأنه صائح ، الصائح يدل على نفسه .


و القرآن الكريم و الشعر العربي زاخران بأمثال ذلك من المجازات الرائعة . 

نكتفي بهذا ..وسيكون لنا تتمة ان شاء الله .


...............


خالد ع . خبازة


من كتاب " العمدة " لابن رشيق  و غيره من كتب التراث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق