الدامغة ( ٢ )
تَلَوَّى القَلْبُ إِذْ ذَكَرَ الشَّبَابَا
و يَوْمًا قَدْ هَجَرْتُ بِهِ الرَّبَابَا
و مَا سَوْطُ الصُّرُوفِ أَشَابَ رَأْسِي
و لَكِنْ بُعْدَهَا رَأْسِي أَشَابَا
مُهَفْهَفَةً تَرَفَّلُ فِي دَمَقْسٍ
فَيَضْطَرِبُ الفُؤَادُ لَهَا اضْطِرَابَا
خَدَلَّجَ بَضَّةً لا عَيْبَ فِيهَا
سِوَى سَهْمٍ لَهَا قَلْبِي أَصَابَا
إِذَا قَامَتْ يَضُوعُ المِسْكُ مِنْهَا
بِهِ كُلُّ المَكَانِ شَذَا و طَابَا
و وَجْهٍ خِلْتَهُ بَدْرًا مُنِيرًا
أَسِيلِ الخَدِّ مِنْهُ القَلْبُ ذَابَا
و إِنْ بَسَمَتْ كَأَنَّ الثَّغْرَ فِيهِ
لَآلِئُ بِيضُ تَختَلِبُ اخْتِلَابَا
و تُنْشِدُ إِنْ رَمَيتُ لَهَا القَوَافِي
تَخَالُ كَأَنَّ شُحْرُورًا أَجَابَا
و لَيْلٍ قَدْ لَهَوْتُ بِهَا طَوِيلٍ
بِهِ قَلْبِي المُتَيَّمُ قَدْ تَصَابَى
تُبَادِلُنِي بِهِ زِقًّا بِزِقٍّ
و لَثْمًا إِذْ تُقَطِّعُ لِي الثِّيابَا
و رِيقًا خَنْدَرِيًسًا أَوْ كَشْهْدٍ
أَطَارَ العَقْلَ مِنِّي و الصَّوَابَا
فَلَا و اللهِ مَا أَلْفَيْتُ مِثْلَ
الرَّبَابِ، إِذَا اشْتَفَتْ مِنِّي، كَعَابَا
و تَحْضُنُنِي إِلَيْهَا فِي اشْتِياقٍ
و دَمْعُ العَيْنِ يَنْسَكِبُ انْسِكَابَا
أَتَارِكُ رِفْقَتِي يَا شَهْمُ فَجْرًا !؟
و تَسْأَلُنِي فَلَا أَجِدُ الجَوَابَا
و لَكِنْ هِمَّةً لِلْمَجْد تَصْبُو
أُشُقُّ بِهَا المَفَاوِزَ و العُبَابَا
نَهَتْنِي عَنْ مُخَالَطَةِ الغَوَانِي
و طَارَتْ بِي لِكَيْ أَعْلُو السَّحَابَا
عَلَى طَمٍّ مُجَلٍّ لَيْسَ يَكْبُو
كَأَنَّ إِذَا جَرَى سَبَقَ الشِّهَابَا
لَهُ ضَبْحٌ إذَا لَمَحَ الأَعَادِي
إِذَا أَرْسَلْتَهُ فِي النَّقْعِ غَابَا
سَبُوحٍ.. بَيْنَ أُذْنَيْهِ قَنَاتِي
كَمِثلِ الصَّقْرِ يَنْصَبُّ انْصِبَابَا
إِذَا جَاءَ الصَّرِيخُ وَجَدْتَ خَيْلِي
إِلَى الهَيْجَاءِ أَسْرَعَهَا جَوَابَا
و إذْ مَا الشَّمْسُ مِنْ نَقْعٍ تَوَارَتْ
فَمَنْ يَرْجُو مِنَ الشَّهْمِ اقْتِرَابَا
بِيُمْنَاهُ أُصَيْلِيتٌ حَذِيمٌ
يُبِيرُ.. و هَزَّ بِالأُخْرَى العُقَابَا
و مَنْ لِلْحَرْبِ إِذْ دَارَتْ رَحَاهَا
أُدَبِّرُهَا ..حَسِبْتَنِيَ الحُبَابَا
أَشُقُّ صُفُوفَهُمْ.. أَفرِي خَمِيسًا
فَلَا أَخْشَى الفَرَانِدَ و الحِرَابَا
بِمِزْرَاقِي إذَا شَكَّ الأَعَادِي
و صَمْصَامِي إِذَا حَزَّ الرِّقَابَا
أَنَا الأَسدُ الهَصُورُ بِسَاحِ حَرْبٍ
و مَنْ بَارَاهُ لا يَرْجُو الإِيَابَا
تَرَى أَعْتَى الكُمَاةِ يَطِيرُ بَشْرًا
إذَا مِنْ سَاحَتِي بِالخِزْيِ آبَا
و أطْلُبُ إِنْ أَرَدْتُ عَزِيزَ قَوِمٍ
و لا تَرْجُوا الأَشَاوِسُ لِي طِلَابَا
أَدُكُّ حُصُونَهُمْ .. أَهْرِي قِلَاعًا
كَحَيْدَرَةٍ إِذَا مَا اجْتَثَّ بَابَا
أَتَانَا عَنْ سَفِيهٍ قَوْلُ زُورٍ
يُهَدِّدُنا و يُوعِدُنَا كِذَابَا
بِسُوءِ مَقَالَةٍ نَتَنَتْ و خَابَتْ
و لَيْسَ سَحَابُهَا إِلَّا خِلَابَا
أَتَقْذِفُ عِرْضَ مَنْ سَامَى سُهَيْلًا
سَنَاءً و اخْتلَابًا و الْتِهَابَا
و تَخْدَعُ، لَا أبَالَكَ، بِاحْتِيَالٍ
ضِعَافَهُمُ و تُشْبِعُنَا اغْتِيَابَا
أَبُهْتَانًا و تَلْفِيقًا و بُغْضًا
لَنَا .. يَا فَاجرًا فِي النَّظْمِ خَابَا
و يَكْذِبُ ثُمَّ يَكْذِبُ ثُمَّ يَنْفِي
كَمَا الرَّقْطَاءِ بَدَّلَتِ الإِهَابَا
عَلَيْنَا يَفْتَرِي.. لَوْ قَالَ صِدْقًا
لَكَانَ إِلَى مُبَاهَلَةٍ أَجَابَا
لَقَدْ أَنْجَاكَ مِنِّي اليَوْمَ بَحْرٌ
و لَوْلَاهُ هَتَكْتُ لَكَ الحِجَابَا
و أَنَّى لِلْبُغَاثِ نِزَالُ لَيْثٍ
فَلَسْتَ تُطِيقُ ضَرْبًا أَوْ سبَابَا
أَلَاسْمَعْ و انْتَبِهْ ثَكِلَتْكَ أُمٌّ
و خَلِّ الحِقْدَ يَنْهَبُكَ انْتِهَابَا
لَقَدْ أَنْشَدْتُ مَا وَصَلَ الثُّرَيَّا
و أَعْرِفُ ذَالِكُمْ يَنْكِي الكِلَابَا
فَرُمْحِي أَوْ قَصِيدِي لَيْسَ يُخْطِي
إِذَا أَرْسَلْتُ أَيَّهُمَا أَصَابَا
إِلَيْكَ إِليْكَ بَعْضُ زَكَاةِ شِعْرِي
فَإِنَّ النَظْمَ قَدْ فَاتَ النِّصَابَا
أَنَا الخِنْذِيذُ و الشُّعَرَاءُ حَوْلِي
مُطَاعًا وَسْطَهُمْ مَلِكًا مُهَابَا
تَرَى لِي بَيْنَهُمْ قَصْرًا مَنِيفًا
إِذَا سَادُاتُهُمْ ضَرَبُوا القِبَابَا
و كَمْ أَلْقَمْتُ مِنْ حَجَرٍ لِفَحْلٍ
و هِلْتُ عَلَى مَفَارِقِهِ التُّرَابَا
فَلَا الكِنْدِيُّ يَعْدِلُنِي قَصِيدًا
و لا الأَعْشَى إِذَا شَرِبَ الشَّرَابَا
و لا بِشْرٌ و لا المُزَنِيُّ كَعْبٌ
و لا العَبْسِيُّ إِذْ لَاقَى ضِرَابَا
و لا عَمْرٌو و لا مَنْ قَالَ يَوْمًا
أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ و العِتَابَا
و لَيْسَ لِحَاتِمِ الطَّائِيِّ جُودِي
إِذَا الأَقْوَامُ جَاؤُونِي سِغَابَا
سُمَيْدَعٌ ابْن بَجْدَتِهَا كَرِيمٌ
فَمَا اطْبَقْتُ دُونَ النَّاسِ بَابَا
و مَا خَيْرٌ بِمَالٍ إِنْ أَفِرْهُ
يُؤَخِّرُنِي إِذَا جِئْتُ الحِسَابَا
عَجَنْتُ النَّاسَ فِي خِيْرٍ و شَرٍّ
وجَدِّكَ قَدْ وَجَدْتُهُمُ ذِئَابَا
فُخُذْ حِذْرًا و كُنْ يَقِظًا فَطِينًا
و لا تَأْمَلْ مِنَ البَشَرِ الثَّوَابَا
و لا تَصْحَبْ سِوَى سَيْفٍ و رُمْحٍ
و فِي الخَلْوَاتِ فاصْطَحِبِ الكِتَابَا
هُمُ خَيْرُ الصِّحَابِ لِكُلِّ قَرْمٍ
و هَلْ تَلْقَى مِنَ النَّاسِ الصِّحَابَا !؟
أَرَى القِرْدَ الجَهُولَ يَسُوسُ قَوْمًا
تَرَأَّسَهُمْ إِذَا مَا اللَّيْثُ غَابَا
تَمَايَلَ رَأْسُهُ كِبْرًا و عِجْبا
و ظَنَّ لَهُ إِلَى الشِّعْرِ انْتِسَابَا
و لَمْ يَعْرِفْ بِأَنَّ الشِّعْرَ وَحْيٌ
و مَا بِالمَالِ يَكْسِبُهُ اكْتِسَابَا
أَرَى تَبِعَتْهُ بَعْضُ النَّاسِ جَهْلًا
فَمَا فَلَحُوا إِذَا تَبِعُوا الغُرَابَا
رَفَقْتُ إِذَا نَهَانِي بَعْضُ صَحْبِي
و إِنْ شِئْتُ اغْتَصَبْتُكُمَا اغْتِصَابَا
أَنَا الضِّرْغَامُ رَغْمَ أُنُوفِ كُلٍّ
و مَنْ يَبْطرْ أُسَوِّمْهُ العَذَابَا
و إنِّي، إِذْ أُشَذِّبُكُمْ، و أَنْتُمْ
كَمَا الرِّئْبَالِ إِذْ نَشَّ الذُّبَابَا
#شهم_بن_مسعود
----------------------
الحُباب :هو الحباب بن المنذر رضي الله عنه و كان من ذوي الرأي في الغزوات
الكنديّ: هو أبو الطيب المتنبي
بشر : هو بشر بن عوانة
كعب : هو كعب بن زهير بن أبي سلمى رضي الله عنه
العبسيّ: هو عنترة العبسي
عمرو : هو عمرو بن كلثوم التغلبي
الأربعاء، 9 يونيو 2021
الدامغة ( ٢ ) بقلم الشاعر...شهم بن مسعود
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق