الثلاثاء، 28 يونيو 2016

كيف ذاك الحب امسى خبرا بقلم الشاعر الكبير احمد بوقراعة

كيف ذاك الحب أمسى خبرا
(أحوال و أوصاف)
كانَ ذاكَ اليومَ حُسناً يَنْطقُ وجهُ الرّبيع
و على الشطّ ورودٌ قدْ تفاخرْنَ مزاحَا
و تبسّمْنَ اختيالاً و تضاحكْن انْشراحَا
و سعى الموجُ بطيئًا مقبلاً يلثُمُ ساقاَ
أَجَرَى في الموْج عشقٌ فأََتَى يُبدي اشْتيَاقَا؟
تلك أَفراحُ الشّطوط بالرّبيع
فكثيرا ما رأينا الإسم نقشا قد بدا
في جدارٍ أو نحوتٍ أو صوَرْ
و كثيرا ما قرانا منذ أنْ خطَّ البشرْ
أوّل الحرف المبين للفصول و المطرْ
"حضرموتُ ثغرها كالوردة"
"حضرموت يضحكُ منها الرّبيع للرّبى"
"فإذا ما اضّاحك شطٌّ بسوسه
فاعْلموا أنَّ الرّبيع قدْ أتى"
تلك أفراح و لكن ليس كلُّ من مشَى
فيه فرحٌ ،فيه لهوُ،و سرورٌ قدْ سرى
فعلى الشطّ الغريب
كان يمشي قدْ نجا منه اليسيرْ
قدمٌ قدْ أنكرتْها كلُّ أقدام تسيرْ
و يرَى النّاسَ ظلالاً لارْتعاشٍ في البصرْ
وحدهُ دبَّ حزينًا يحْمل ضَرْبَ القدَرْ
متْعبا يمشي ثقيلاً كالغريبْ
حائر الوجْه بظنُّ خلفه ألفُ رقيبْ
قدمٌ قد أنكرتْها كلُّ ساحات المدنْ
كان يمشي
كان يمشي يبحثُ عن أيّ شيء لمْ يجدْ
غيرَ ريحٍ سافرتْ تطوي رخاءً قدْ عهدْ
ضاعتْ الدُّنيا و ضاع كلُّ ما كان وجَدْ
كان طفْلاً,و أبوهُ كان مفتاحَ الوَزيرْ
يعرفُ كلَّ الرّجال....
كلَّ من جاءَ و آبَ....للوزاره
يعرف حتّى النّساء حين يأْتين المساء
للسُّرُور و التّجَاره
يضْحَكُ فيهنّ مالٌ و سَهَرْ
قدْ يخادعْنَ خدودًا و يخاتلْنَ هدابَا
قدْ يحابيهنَّ شيْءٌ من جمالٍ
كلُّ ما فيهنَّ يُبْسٌ،هنَّ أجلافُ الرّجال
قدْ تَزَيّنَ و لكنْ زينةٌ تحمي الخرابا
باقةُ الزّهْر الجميل غيرَ أنَّ الزّهْرَ كان منْ ورقْ
ما تمشّيْنَ بدرْبٍ ما تراهنَّ الطُّرُقْ
ما خلقْنَ لعُيُونٍ أَلفتْ ما في النّساء
من قدُودٍ و نهودٍ و خدُودٍ كالأَصيل في الشّفقْ
و ظلالٍ تحتَ رمْشٍ كتبتْ تُغْري كتابَا :
"من نناديه يجيءُ مسلمًا عاد و تابا"
سَكَنَ اللَّيْلُ إليهَا يرْتجي بُشْرَى السُّؤَالْ
كيف يطوف بالعذارى تشْتَري منه الخيالْ
فانتَشَى الكوْنُ بليلٍ سامرَ حلم العذَارى
يقطفُ الحبَّ و يسقيه ارْتشافا للصّبَايا
كان طفلاً, و أبوه كان خزّانَ الوزيرِْ
أخرس,كان أصمَّ كالحجاره
أذُناه في فم ذاك الوزيرْ
ما يقول غيرَ خيرٍِ:"كمْ رأيتُ من وزير
ما رأيتُ مثلهُ صفوَ اللّسان و الضَّميرْ
يغْزلُ الصّوْتَ و كان دودةَ القزّ الحريرْ"
كان طفلاً,و أبوهُ يعرف كلَّ وزيرْ....
كم رأى ذاك الصبيّ...
كم رأى الزُّوّاَرَ يأْتي بيْتَهُمْ خلْقٌ كثيرْ
و رأى الطّفْل أباهُ لم يجدْ عسرا لجاه
قد أتاهُ الدَّهرُ يجري باسطا كفَّ عطاه
بيته الحبرُ الثّقيل للّذي يأبى الخساره
بيته بيت ُ التّجاره
و هروب من عيون للإداره
كلُّ أقلام الوزير في الوزاره
حبْرُها ماءٌ خفيفٌ غيرُ ترّاكٍ أماره
و جرى المالُ الكثيرُ
و جرَى عمْرُ الصَّغير لا يرى للدَّهْر ساعه
و الرَّخاءُ ليس يدري كيْفما العمْرُ يسيرُ
ليس كالفقر يعدُّ وطأهُ ساعًا بساعهْ
وجرى المالُ يسوقُ طفْلَهُ السَّاهي الجَميل
نعَّمَ الوجْهَ و صارَتْ كفُّهُ دون عظامْ
أهيفَ العود رقيقٌ أرْهَفُ منهُ لسانُهْ
رقَّ حتَّى ما يكونُ فيه من شبه الأَنام
لو ْ رأى الأَخْبارَتُنْبي بالرّياح و البَرَدْ
مطلع العام الجديدو و السَّحاب و المطَرْ
نفَّضَ كَحَّا و بَحّا و ارْتعاشًا و ارْتعَدْ
كالسَّقيم إذْ يخافْ....
كالسّقيم كان يمشي حاملاً ضَرْبَ القدَرْ
كلَّما حاذَى الرَّصيف خاف يُدْنيه الرَّصيفْ
من مياه الشطّ ترميه البحارُ للمُخيفْ
فانْزَوَى ظلاًّ لجسْم شابَ فيه كلُّ وَهْن
يُكْرهُ الرّجلَ ترومُ شاطىء البحر الغريبْ
يُكْرهُ العيْنَ ترومُ بعضَ أشْياءٍ قديمهْ
كنَّ أسراعاً من مغازات المدينهْ
ما رأى شيْئا رخيصا فيمدُّ راحتيهْ
غيرَ أصوات الزذُجاج في ارْتجاج
:
"ويلك من ناظريك
كمْ رأيتَ و رأيتَ....
لم ترَ يومًا عصيبا يأخذُ من راحتيك
كلُّ سرّاء الزَّمان قد أتتْك دون تعْب
يفسحُ الدَّهرُ و لكن منْ ينلْ منهُ بناب
ربَّما يسألُ موتا خيرُ منْ همٍّ و كرْب
فمشى يحْذُو السُّفُنْ...
و مشى يسْمَعُ لحنا:كان بحّارً يغنّي
حين قالتْ صوتُها عذْبً جميلْ:
"هلْ لديك اليوم حوتً أو محارْ
اشْتَهَيْتُ اللَّيل حوتًا و نبيذًا...ثمَّ أشياءً أُخَرْ"
قال:"صومي اليوم طُهْرا
و غدا تأتين فجرا
تجدين الحوت و الأسماك و الحوّاتَ أحلى"
فمضتْ تنهرُ عينا كي تصوم عن هواها
و رأى البحّارُ عينا قد أباحتْ بهواها
و مضتْ تشدو تغنّي :
"كيف ذاك الحوتُ أمسى خبرا
و حديثا من أحاديث الجوى"
فاسْتَكان يسمعُ الصّوتين لحنا, و مضى....
علَّهُ يلقى رفيقا يبرىءُ ما فد شكَا
أحمد بو قرّاعة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق