الاثنين، 17 يوليو 2017

قصة قصيرة بقلم فادية حسون


.مثل ثور هائج فر للتو من حلبة المصارعة ... أقبل عليها .. أمطرها بتساؤلات شتى .. كال لها اتهامات لاذعة .. محاولا الانتقاص من أنوثتها وإبائها ... 
ظلت صامتة تتلقى صفعات كفيه الرعناء المنهالة عليها يمنة ويسرة ... 
صمتها كان خرقة حمراء ترفرف أمام ناظري الثور فتزيد من هيجانه ..
صمتها الصاخب ..ابتسامة الازدراء .. نظرات التحدي .. كانوا جميعا ألسنة لهب لثورة صماء تجري أحداثها في ساحة انوثتها المكلومة .. جرها من شعرها كشاة جرباء .. ثم قذف بها إلى مخدعها ولسانه لا يتوقف عن الذم والشتم والتجريح ... بصقت كفاه دما من خصلات شعرها العنيد ... مسح يديه بقميصه الملوث أصلا ..
اوصد عليها الباب ووجهه يقطر غيظا وسموما ... ركل بقوة قطتها المدللة التي كانت تقبع بجانب الموقد والتي كانت ترمقه وتشهد على خسته ودناءته ..
ماءت القطة بتوجع من صميم قلبها .. 
فابتسم منتشيا بنصر ضئيل ثم خرج ماضيا إلى ملذاته المهجورة للتو ... نهضت متثاقلة تتلمس بيديها وجنتيها المضطهدتين ..
نظرت في مرآة الجدار .. فتراءى لها وجه امرأة من عصر الجاهلية الأولى ..
ترزخ تحت نير العبودية السوداء ..
لملمت شعرها المبعثر فوق ظهرها الذي أحنته المآسي .. ثم استلقت على أريكتها الصديقة وأخذت تمسح عبراتها المنهارة بغزارة فوق وسادتها التي اعتادت على مطر العيون .. بينما ذهنها يستعرض بذعر فصول المأساة التي سلبت بقايا الحيوية من جسدها المنهك تحت تأثير عنفه اللامتناهي ... تنهدت بعمق .. ثم ما لبثت أن تبسمت بشحوب واخرجت من جيب سترتها قصاصة احتشد فيها العالم بأسره .. شمتها ..قبلتها .. فتحتها ثم تلت بصوت مخنوق يشوبه القهر .:" حبيبتي .. لقد شاءت الأقدار ان نفترق مرغمين ... لقد اجتمعت كل الأعراف والعادات الكارثية للحيلولة دون حبنا ... فمثلما كان حبنا نبراسا ينير حياتنا ...سيظل شمعة تضيئ فوق قبرينا .... تربة قبري ستتوق دائما لأن تدوسها قدماك .. اعذريني حبيبتي فقد حان الرحيل .. شهقت بصوت عال جلجل المكان .. ارتعدت جدران غرفتها جزعا وهي تنقش قصة حب عذري لم ير النور ... شعرت فجأة بضيق شديد في صدرها وكأن صخرة ضخمة ربضت بكل ثقلها... شعرت برغبة كبيرة لرشفة ماء ... لكن ما من احد بحوارها يمن عليها بالارواء ....ثم مالبثت أن سقطت أرضا .... 
قبيل طلوع الصبح بقليل فتح باب البيت بيديه الثملتين بعد ان أودع بين شفتيه لفافة التبغ المحشوة بكل ما من شانه استثارة شياطين الأنس والجن ..فكر في تفقد سجينته ...اقترب من باب حجرتها .. ادنى رأسه قليلا عله يسترق السمع ...لكنه لم يسمع حتى نفسا واحدا ... راودته نفسه المشبعة بالشر ان يصطحب عصاه ليوسعها ضربا من جديد ... فتح الباب بطريقة من يريد الاجتياح .. وكان ثأرا قديما قد استفاق بداخله ... لكنه سرعان ما حدق فاغرا .. فسقطت سيجارته من فمه ... راعه منظر ضحيته الملقاة في أرض الغرفة جثة هامدة ... لكن الذي جعله يستشيط غضبا تلك الابتسامة التي ارتسمت فوق محياها وكأنها تسرد قصة لقاء من نوع فريد بين حبيبين متيمين على انغام مواء قطة ثكلى...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق