تكلّمي مرّة
تكلّمي مرّةً واستنطقي الذّكرا
وذكّري من لدربِ الأمس قد نكَرا
وكلّمي من غفتْ بالجوع أعينهم
وخبّأ الدمعَ في أجفانِهِ حجرا
تكلّمي مرّة حتى يؤانسني
قلبي ويعزفَ في إيحائه الوترا
وكي يثرثرَ غيمُ الشعرِ في شفتي
وفي عيوني أرى زهرَ الهوى عثرا
وحدي وصوت صراخ الجرح يقلقني
جرح الذين بهم سيف الأذى انصهرا
محمّلٌ حلمُ أنفاسي ببحّتهِ
ويطحنَ الصبر حتى تأكلَ الفقرا
تكلّمي مرّة فالصمت يمضغني
حتى أسامرَ في وادي النوى الضجرا
ورشرشي عبقَ الغابات في طرقي
ليزهرَ البوح في شريانه صورا
ويغزلَ النهرُ موج الليل لي لغةً
ويزرعُ الحلم في أنفاسه شجرا
وعتّقي كأس أحزاني وهاجسها
حتى أراني على جفن القصيد كرى
واستنطقي مطرَ الإحساس عن وجعي
لتقرأَ الوحي في أوراقِهِ الشُّعرا
وكي تصلّي به الأشعارُ باكية
فألبسُ الدمع ثوباً يحملُ الشّرَرا
مليئة بمُدى الأيام خاصرتي
وإنّني في جراحي صرْتُ معتمرا
بها اعتصمْتُ وخيّطْتُ الدّما كفناً
لتمسكَ الأرضَ لو صاحَ الزئير عُرى
ما عادَ للحزنِ والآلامِ خاتمة
ففي بلادي غدوْنا نعشقُ القهَرا
فالنارُ تأكلُ دوما كلّ سنبلةٍ
وعن شفاهِ اليتامى تحجبُ الثمرا
لا تطرقي البابَ أفراحي مغادرة
فلنْ تريْنَ هنا منْ يعرف الخبرا
فأيُّ جرح سيروي اليوم قصتَه
ومَن سيدفعُ عن أطفالنا الخطرا
لمَن أغنّي وعودي ملَّه وتري
ونايُ حزني بروحي أنجبَ الكدرا
ما زال يحمل ضلعي سحْرَ بحته
وفي المواويل شجوا ينقش الأثرا
فكل مابي ذوى في عرس لحظته
فمن يعيد لزهو اللحظة السمرا
سيأكل الطير سرّي فوق رأس غدي
ويعصر الخمر في أقداحه مطرا
في مقلتيّ أرى فجرا وفي شفتي
نهر الحروف على سطر القلوب جرى
غيمي تدثّر في دنيا مجرّته
وغازلَ الشمسَ في أفلاكِه خدرا
أرجأتُ ضحكته وارتبْتُ في قلقي
لأنّ صبحي وصبح الجائعين سرى
وأنّ شمسي التي توّجتُ دوْرتها
نامت على صوْت جوعي فانحنيْتُ ورا
أنا بكيْت وعين الله باكية
مثلي لأنّا وردْنا موتنا زُمرا
والماء غادرَ عن صحراء بسمَتنا
فاعشوشبَ القحطُ في ودياننا غيرا
أنا العناءُ وقصرُ البؤس لي وطنٌ
وفي مداخله قد أعدموا الفكرا
تكلّمي مرّة في بعضِ هلوسةٍ
ما ضرّ قلبي بخمر الحبّ لو سكرا
من طينةٍ كبدي خبّأتُ في فمه
حلوى السؤال وثغري بالندى انكسرا
أرثيه وحدي وميسورُ الأذى قلمي
يخطّ بالدم ما قد خطَّطَ الأمرا
فأيّ حرفٍ ترين الآن يشبهني
وأيّ همْس به أستدرجُ السحرا
أنا العراقُ وبحرُ الموْتِ مندلقٌ
على الأديم يُعرّي كذبة الوُزرا
تقرّبي واخلعي نعليك سيدتي
في بابِ قلبي ودوسي عنده الزهرا
أنا العراقُ وماء الله طهّرني
وفيّ أنزلَ في تنزيله السُّورا
رقيقة الطبع قد تغريك قافية
وقد تريْنَ الذي بالروح ما ظهرا
أتيتُ بالشعْرِ من عليا مجرّته
لكي يقومَ نبيّ الشعْر معتذرا
ما زلت أمشي وما زال الشجا قدري
وفيّ يمشي جنونا أينما عبرا
تلمّسي جلدَ شمسي بعد غيبتِها
وجلدَ صبري الذي قد جفَّ واختُصرا
فما تزالين في الأهواء حافيةً
وصمْت حرفك في سيفِ الأذى انتحرا
تلمّسي أيّ روحِ فيَّ عاشقةٍ
فمَن كمثلي بحبّ الموطن اشتهرا
أتيتُ أنشر في واديك أشرعتي
فلا تلمّي شراعاً في دمي عبرا
عمّانُ إنّي عراقُ الخير بي عطشٌ
والماءُ عندي وعنّي صادروا النهرا
بلى أموتُ وتبقى وحدها لغتي
للخائنين بلادي تصنعُ الحفرا
والعاقدين على اسمِ الله صولتهم
لهم ستكتبُ تاريخاً بهم سُطرا
بلى أموتُ وتقويمي سيحفرني
بكل بيتٍ ليحكي ما جنى الحقرا
لن تخمدَ النار ناري سوف تحرقهم
وقد تكونُ لهم في الساحة القدرا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق