الجمعة، 24 فبراير 2017

مأساة طفولة بقلم بشرى الجوراني


الشوارع مزدحمة ، اصوات منبه السيارات تصدح بأوجاع حر لاهب ، الشمس واقفة في وسط السماء تراقب الناس وترسل غضبها لهم السنة نار ،الوجوه تبصق ضجرها عرقا ينزلق آخذا معه أتراب و اوساخ التصقت بوجوهم من الغبار المتطاير والسيارات الخانقة تزفر دخانها كرجل مُسن أنهكته السنين
 البنت صغيرة مرتدية عباءة وقد غطت شعرها بقطعة قماش نتفها الزمن فتطايرت منها بعض الخيوط، الوجه تشققت أرضه وبانت عليه حرقة الشمس فزداد فيه السمار ،العينان غارقتان في ضيق ك كهفين بعيدين مهجورين وجسد انهكه الفقر فأمتص منه عنفوان الطفولة وبراءة مكتظة ببؤس قاتم كانت تحمل علبة العلك تبحث عن زجاج نافذة مفتوحة لتضع بعض الأعلاك على احجار السائقين فترغمهم على شراءها او حتى تطرق ذلك الزجاج المغلق فيفتح 
لها وتكسب شفقة المارة ...
 كان جالساً في مقعد سيارته رجل اسمر رسمت القساوة ملامحها عليه بعينين ضيقتين وحجبان كثيفان وشارب نازل على فمه كعشب محترق وانف افترش وجهه كخيمة غطت معظم اجزاء وجهه كان يتأفف من ضجرٍ وينتظر ان يتحرك السير الذي كان عبارة عن قطار ملون بانواع السيارات والكل مختنق النفوس والأزداحم ..والضجر المميت فتح النافذة ليضربه نسيم هواء حار عندما 
ارتمت في احضانه قطع علك ليجد امامه بنت صغيرة تنظر اليه وقد تقلص بعض من اجزاء  وجهها لتزيد مشاعر من حولها بالأشفاق عليها 
(أرجوك ...عمي هل تشتري مني ..أرجوك أنا محتاجة ..)
 أنتابته مشاعر تقزز في بادئ الامر حيث كان يرسم البؤس ملامحه بأبشع صورة على وجهها وحالها ...هل كان هذا ما ينقصه شحاذة بائسة تطلب منه رزقا ،سقطت عيناه على رقبتها وبعض اجزاء جسدها الذي لم يكن مغطى بعض الشيء 
لتشتعل في باله فكرة ...
(ما اسمك ؟؟)
سكتت لحظة لم ترد منه السؤال عن اسمها كانت ترغب فقط بالشراء منها 
رجعت وقامت برسم ملامح البؤس 
( ارجوك عمي ...انا محتا....)
قاطعها بضجر رافقه صوت عال افزعها 
- ما اسمك 
- زينب 
- أأنتِ جائعة 
 ابتلعت ريقها وأيقض فيها هذا السؤال احساس بجوع كانت تحاول ان تكتمه ولكن ..عسى ان يكون الرجل كريم فيعطيها ما يسد آلامها 
- نعم 
أبتسم ..قائلا : كم عمرك 
- تسعة 
- أصعدي ..سأشتري لك طعاما 
لمعت عيناها بفرح سيحصل معها شيئان .ستركب سيارة وتأكل طعاما كم هي محظوظة ...
 استدارت بسرعة نحو الباب الثاني مد هو يده ففتح لها الباب فصعدت واقفلت الباب بقوة فصرخ صراخا أفزعها 
( على مهلك ما بكِ)
 أنكست راسها بخوف وخجل استعدلت في جلستها كان السير بدأ يتحرك ببطئ واصوات المنبهات تزيد من امل الانفراج عن هذا العسر كانت السيارة مغطاة بغبار و اوساخ والنوافذ غير نظيفة وانعكاس اشعة الشمس عليها جعل منها كتنور ملتهب الجمرات 
 بدات السيارة تسير وهي تنظر من النافذة اي سعادة كانت تشعر بها في تلك اللحظات تمنت لو لم تنتهِ وهي ترى الناس حولها يتراجعون وهي في تقدم والمحلات المنتشرة في تلك الجهة كانت جدا جميلة كم مرة مرت من هذا الطريق لكن لم تراه بهذا الجمال .
أوقف السيارة وسمعته يقول اجلسي سأشتري لك (الفلافل)
آه الفلافل الحارة مع العنبة شعرت بسعادة عارمة فأنفرجت عن ابتسامة عريضة  و وضعت يداها تحت ركبتيها من شدة التوتر وبرقت عيناها كنجوم ليل صافٍ 
نظرت اليه وهو يشتري لها ( واحدة فقط ..ماذا لو اشترى لها اكثر ) 
 رمى بالطعام لها كما يُرمى لكلب جائع تلقفتها وقد لمست حرارة الصمون فزاد عندها شعورها بالجوع كانت السيارة تسير اما هي فلم تفكر إلا بذلك الطعام الذيذ الذي كان ينزل الى معدتها فيشعرها بكمال حياتها 
توقفت السيارة وهي في اواخر لقماتها تلتهمها 
كان ينظر اليها ...لا بأس بها تنفع ان تريحه قليلا وتزيل بعض الضجر 
- هيا انزلي 
- الى اين 
- الى بيتك يا عروسة واهتز جسده بضحك قوي وهو ينظر اليها 
اما هي فكانت تبتسم والخوف قد تملكها فقالت برجاء 
عمي ان امي ستفتقدني هلا رجعنا 
اطفأ محرك سيارته ونزل منها متوجها نحوها ، دنا منها فاتحا عيناه كي يزيد من ارهابها 
- اياكِ ان تفتحي فمك سنجلب حاجة من الشقة ونرجع 
سأعيدك من حيث اتيتِ لا تخافي 
امسك بذراعها احست بوجع قبضته فبدأ أنينها يسمع مع بكاء خافت 
اما هو فلم يكن يسمع الا نباح غرائزه 
 استسلمت له فُذبحت على يديه براءتها كمن يسلخ جلدا من بشر حي ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق