الخميس، 22 يونيو 2017

نافذة على الشعراء العرب بقلم خالد خبازة

نافذة على الشعراء العرب
عمرو بن الأهتم
و كل كريم يتقي الــــــذم بالقرى ... و للخير بين الصالحين طــــريق 
 لعمــــرُك ما ضاقتْ بلادٌ بأهلها ... و لكن أخــــــلاقَ الرجال تضيق

هو عمرو بن سنان بن سمي بن سنان بن خالد ، من منقر من بني تميم . أحد السادات و الشعراء و الخطباء في الجاهلية و الاسلام ، و سمي والده سنان بالأهتم لأن قيس بن عاصم المنقري ، ضربه بقوس ، فهتم أسنانه ، و قيل هتمت أسنانه ، أثناء القتال في يوم الكلاب الثاني ( وهو أحد أيام العرب في الجاهلية ) . 
عاش عمرو في الجاهلية ، و أدرك الاسلام فأسلم ، وهو أحد الصحابة الشعراء المجيدين . قيل انه وفدعلى الرسول مع بني تميم سنة 9 للهجرة و كان صغير السن و شارك في فتح بلاد فارس ، في جيش الحكم بن أبي العاص . توفي في خلافة معاوية سنة 57 هجرية الموافق 676 للميلاد .

يقال انه اجتمع كل من عمرو بن الأهتم و الزبرقان بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال الزبرقان : 
 يا رسول الله 
أنا سيد تميم و المطاع فيهم ، و هذا يعلم ذلك .. يقصد عمرا ,, فقال عمرو : 
أجل يا رسول الله ، انه مانع لحوزته ، مطاع في عشيرته ، شديد العارضة فيهم . فقال الزبرقان :
انه و الله ليعلم عني أكثر من ذلك ، و لكنه حسدني شرفي . فقال عمرو : 
 أما لئن قال ما قال ، فوالله ما علمته الا ضيق الصدر ، زمر المروءة ، أحمق الوالد ، لئيم الخال ، حديث الغنى . 
فلما رأى الغضب في عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : 
 و الله يا رسول الله .. رضيت فقلت أحسن ما علمت .. و غضبت فقلت أسوأ ما علمت ، ووالله ما كذبت في الأولى ، و لقد صدقت في الثانية .. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
 ان من البيان لسحرا .

يقول عمرو بن الأهتم في قصيدة طويلة رائعة له من الطويل و القافية من المتواتر :
ألا طرقتْ أسمــــــــاءُ وهي طروقُ ... و بانت على أن الخيــــــــالَ يشوقُ 
 بحاجــــة محـــزونٍ كأن فـــــــؤادَه ... جناحٌ وهى عظماهُ وهو خفـــــــوق

و هان على أسماء أن شطَّت النوى ... يحــــن اليها والهٌ و يتـــــــــــــوق
 ذريني فان البـــــخلَ يا أم هيثـــــم ... لصالح أخـــــــلاق الرجال سروق

ذريني و حطّي في هـــواي فانني ... على الحسب الزاكي الرفيع شفيق
 و اني كريمٌ ذو عيـــــــال تهمني ... نوائبُ يغشى رزؤها و حقـــــوق

و مستنبِحٍ بعد الهدوء دعوتـُـــــه ... و قد حان من نجم الشتاء خُفوق (1)
يعالجُ عرنينـــــــًا من الليل باردًا ... تلف ريـــــــــــاحٌ ثوبَه و بروق (22)

أضفتُ فلم أفحشْ عليه و لم أقـل ... لأحـــــــرمَه ، ان المكانَ مضيق (3)
 و قلت له أهلا و سهلا و مرحبا ... فهذا مبيتٌ صالحٌ و صديـــــــق

و ضاحكتُهُ من قبل عرفانيَ اسمه ... ليأنس ، اني للكسير رفيــــــــــق
 و قمت الى البرك الهواجد فاتقت ... مقاحيد كُوم كالمجادل روق

بأدماء مرباع النتاج كأنها ... اذا عرضت دون العشار فنيق
بضربة ساق أو بنجلاء ثرة ... لها من أمام  المنكبين فتيق

و قام اليها الجازران فأوفدا ... يُطيران عنها الجلد و هي تفوق
 فجرّ الينا ضرعها و سنامها ... و أزهرُ يحبو للقيام عتيق

بقيرٌ جلا بالسيف عنه غشاءه ... أخٌ باخاء الصالحين رفيق
 فبات لنا منها و للضيف موهنا ... شواء سمن زاهق و غبوق

و بات له دون الصَّبا و هي قرّةٌ ... لحاف و مصقول الكساء رقيق 
 و كل كريم يتقي الــــــذم بالقرى ... و للخير بين الصالحين طــــريق

لعمــــرُك ما ضاقتْ بلادٌ بأهلها ... و لكن أخــــــلاقَ الرجال تضيق 
 نعتني عروق من زرارة للعلى ... و من فدكيٍّ و الأشد عروق

مكارم يجعلن الفتى في أرومة ... يفاعٍ و بعض الوالدين دقيق
1- المستنبح : الفعل نبح ، و النبْح و النباح ، صوت الكلب ، و المستنبح : زائر الليل ، أو السائر ليلا ، و كان في مضلة ، فيخرج صوته مقلدا الكلب فينبح الكلب و يستدل بنباحه .
2- العرنين : الأنف ، و يقال انه أول الأنف ، أورأسه ، يقال : شم العرانين 
33- مضيق : يقصد ضيق

...
الشاعر الثاني
متمم بن نويرة اليربوعي
فلما تفرقنا كأني و مالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
 فما شارفٌ حنت حنينا و رجعّت ... أنينا فأبكى شجوها البرك أجمعا

متمم بن نويرة بن حمزة بن شداد اليربوعي ، التميمي أبو نهشل .
شاعر فحل ، صحابي ، من أشراف قومه ، اشتهر في الجاهلية و الاسلام ، و كان قصيرا أعورا ، أشهر شعره رثاؤه لأخيه مالك . 
سكن متمم المدينة ، في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، و تزوج أمرأة لم ترض أخلاقه لشدة حزنه على أخيه .

من شعره في رثاء أخيه مالك و كان مالك يكنى أبا المغوار ، و يقال له فارس ذي الخمار ، و يقال ان ضرار بن الأزور قتله , و قصيدة متمم العينية هذه في أخيه ، سماها الأصمعي " أم المراثي " وكان رجل من بني يربوع ، مر على أشلاء مالك ، فأخذ ثوبا و كفنه فيه و دفنه ، وهي من الطويل و القافية من المتدارك :
لعمري ، و ما دهري بتأبين مالك ...و لا جزع مما ألم فأوجعا (1)
لقد غيب المنهال تحت ردائه ... فتى غير مبطان العشيات أروعا(22)

و لا برما تهدي النساء لعرسه ...اذا القشع من برد الشتاء تقعقعا (3)
 تراه كنصل السيف يهتز للندى ... اذا لم تجد عند امرئ السوء مطمعا

فعيني هلّا تبكيان لمالك ... اذا هزت الريح الكنيف المرفعا (4)
و أرملة تمشي بأشعث مُحثل ... كفرخ الحبارى ريشه قد تمزعا (55 )

و ما كان وقافا اذا الخيل أحجمت ... و لا طالبا من خشية الموت مفزعا 
و لا بكهام سيفه عن عدوه ... اذا هو لاقى حاسرا أو مقنعا (66)

أبى الصبرَ آياتٍ أراها و انني ... أرى كل حبل بعد حبلك أقطعا 
و اني متى ما  أدع باسمك لم تجب ... و كنت حريا أن تجيب و تسمعا

تحيته مني و ان كان نائيا ... و أمسى ترابا فوقه الأرض بلقعا
 فان تكن الأيام فرّقن بيننا ... فقد بان محمودا أخي حين ودّعا

فعشنا بخير في الحياة و قبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى و تُبّعا 
 و كنا كندماني جذيمة حقبة ...من الدهر حتى قيل لن يتصدعا

فلما تفرقنا كأني و مالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
فما شارفٌ حنت حنينا و رجعّت ... أنينا فأبكى شجوها البرك أجمعا (77)

و لا وجد أظآر ثلاث روائم ... و أين مجرّا من حوار و مصرعا (8)
 بأوجد مني يوم قام بمالك ... مناد فصيحٌ بالفراق فأسمعا

سقى الله أرضا حلّها قبر مالك ... ذهابُ الغوادي المدجنات فأمرعا (9)
قيل لأبي عمرو بن بحر الجاحظ : ان الأصمعي كان يسمي هذا الشعر أم المراثي ، فقال : لم يسمع الأصمعي :
أي القلوب عليكم ليس ينصدعُ ... و أي نوم عليكم ليس يمتنعُ
( و هي لأبي تمام )
و كان الأصمعي يقول : لم يبتدئ أحد مرثية بأحسن من ابتداء أوس بن حجر :
أيتها النفس اجملي جزعا ... ان الذي تحذرين قد وقعا
و بعدها قول زُمَيل :
أجارتنا من يجتمع يتفرق ... و من يك رهنا للحوادث يفلق
و يقول متمم بن نويرة في رثاء مالك أيضا :
نعم القتيل اذا الرياح تناوحت... تحت البيوت قتلت يا ابن الأزور 
 أدعوتــــه بالله ثم قتلتــــــــــه ... لو هو دعاك بذمــة لم يغـــــــدر

لا يضمر الفحشاء تحت ردائه ... حلو شمائله عفيف المئــــــــزر
 و لنعم حشو الدرع أنت و حاسرا ... و لنعم مأوى الطارق المتنور

...............
• 1- و ما دهري : ليس همي و غايتي . 
• 2- المنهال : رجل من بني يربوع ألقى ثوبه على مالك يستره به 
• 3 - البرم الذي لا يدخل مع القوم في الميسر . و القشع : البيت من أدم أو جلد ،  و التقعقع : صوت الجلد اذا يبس
• 4 - الكنيف : حظيرة من شجر تجعل للابل تقيها من البرد . و المرفع : المرفوع 
• 5- الأشعث : يريد به ولدها . و المحثل : السيء الغذاء . تمزع : تفرق . 
• 6 - الكهام : الكليل . 
• 7 - الشارف : المسنة من الابل . البرك : الألف من الابل
• 8 - الأظآر : النوق يعطفن على حوار واحد فيرضع من اثنتين . و الروائم 
النوق تعطف على ولدها ،. و الحوار : ولد الناقة .
• 9 - الذهاب : حمع ذهبة ، وهي القطعة من السحاب . . و المدجنات  : السحب الكثيفة السود . و أمرع : أخصب .

...........
خالد ع . خبازة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق