الأحد، 25 ديسمبر 2016

معلومات عن كِـــلا ... وكِلـــتـا بقلم الشاعر حسن منصور

معلومات عن كِـــلا ... وكِلـــتـا
===================------------------- الشاعر حسن منصور
 [....أما بالنسبة لكلمتي (كلا وكلتا)، فلا بد أولاً من مقدمة منطقية بسيطة تساعدنا على فهم موضوعهما: ولذلك فعلينا أن نعرف بأن [المعنى العام (أو الكلي) ينقسم إلى قسمين هما: المعنى (الجمعي) والمعنى (الاستغراقي)؛ فالمعنى الجمعي يدل على مجموع الأفراد الداخلين تحت (ماصدقه) ككلّ، مثل (إنسان) بمعنى الناس أجمعين. بينما المعنى الاستغراقي يدل على كل فرد من هؤلاء الأفراد، مثل: (كل إنسان) أي كل واحد من الناس. ولهذه التفرقة أهمية خاصة لأن ما يصدق على الكل  ككل، قد لا يصدق على الكل كأفراد، فإذا قلنا مثلاً: الألمان في حرب مع الإنكليز، فإننا نستخدم هنا اللفظ (الألمان) واللفظ (الإنكليز) بمعنىً جمعي لا بمعنى استغراقي؛ أي بمعنى أن الألمان كأمة يحاربون الإنكليز كأمة، لا بمعنى أن كل ألماني أو إنكليزي يحارب فعلاً](3) وعلى هذا الأساس نستطيع أن نفهم لماذا يأتي الفعل بعد (كلا وكلتا) بصيغة المفرد حيناً وبصيغة المثنى حيناً آخر: فعندما نستعملهما بمعنىً جمعيّ يجيء الفعل بعدهما بصيغة التثنية بالضرورة مثل: كلا الطالبين فهما الدرس. أما عند استعمالهما بمعنى استغراقي فيجب أن يكون الفعل بعدهما بصيغية المفرد، مثل: كلاهما فَهِمَ الدرس. ومنه قول الفرزدق يصف فرسه:
كلاهما حين جدّ السير بينهما ....... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي
(كلاهما قد أقلعا). بمعنىً جمعي. (كلا أنفيهما رابي) بمعنىً استغراقي.
 رابي = رابٍ : خبر كلا مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة، وأصلها (رابِيٌ) وبالطبع فالياء هنا منقلبة عن واو [لأن الفعل ربا ناقص واوي: ربَوَ = ربا = يربو = رابِوٌ = رابِيٌ = رابٍ.] وأما الياء الموجودة في الكلمة (رابي) فهي للإطلاق وإشباع للكسرة، وهي لضرورة القافية.
وكذلك وردت (كِلا) بمعنى (استغراقي) في البيت التالي لعبدالله بن معاوية:
كلانا غنيٌّ عن أخيه حياته .......... ونحن إذا متنا أشد تغانيا
(كلانا غني): (غني: خبر مرفوع)، وقد ورد بصيغة المفرد لأن المعنى استغراقي.(1)
 ولا شك أن مثل هذه الموضوعات المنطقية ليست جديدة، ولكن الجديد فيها هو أن نحاول توسيع الدائرة المنطقية إلى الفلسفة اللغوية بشكل عام ولا نقتصر على المنطق وعلاقته بالنحو، وقد أوردنا في الأسطر المتقدمة أمثلة على ما نقصده بهذا القول. ونحن على يقين أن اللغة العربية منجم غني لمثل هذه البحوث وهذه التحليلات والاجتهادات وذلك لعمق جذورها التاريخية والحضارية ولتنوع الأحداث والتقلبات التي مرت عليها وعلى الناطقين بها في كل أرجاء الأرض عرباً وعجماً يتهجون القرآن الكريم ولا يلبثون طويلاً حتى يتقنوه تلاوة وترتيلاً، لأنه يأسرهم بسحر بيانه المبين، وسمو عباراته المتألقة وبما يفتحه للعقل وللقلب من آفاق نورانية مبهرة ومعجزة].
[من كتابي (في ظلال فقه اللغة) ط1 ـ دار أمواج 2016م (ص244)]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق