الأحد، 30 مايو 2021

ولله في خلقه // الشاعر ** عبد الله سكريه

ولله في خلقِه ِشؤونٌ ... وعسى أنْ تكونوا معي ..

                  __________ الشيخُ بُرهانُ .....

        حـُـرٌّ أنــا، وأنــا بـالـعَــقْـلِ إنـســانُ        
                                     وفي سـُلوكي   تلاوينٌ ،  وعُنْـوانُ
       إن جُرِّد العَقْلُ منّي ، صِرتُ في حَرَجٍ       
                                      وهـذهِ الحـَالُ  للإنـسـانِ بهتـانُ..

    _ الشَّمْسُ على غُروبٍ، ها هي الآفاقُ قد إصفرّتْ، وراحتِ العصافيرُ تُجَهِّزُ للاختباءِ ؛ وفي قريتي تُسمع بيسرٍ أصواتُ النواقيسِ تهتزُّ  في رقابِ الماعزِ، وهي آيبةٌ مع رعاتِها إلى حيث حظائرُها وزرائبُها.
   _ في هذهِ اللّحظَات ِانفضّت جِلسةُ النساءِ من صُويْحباتٍ وجيرانٍ، وأخذتْ كلُّ واحدةٍ تودّعُ جليستَها بطيبِ خاطرٍ ومرحٍ، ولا تُؤاخذَنّ امرأةٌ امرأةً أُخرى، فالأولادُ الآنَ يعودونَ، وليس مَقبولاً أنْ يأتيَ الرِّجالُ البُيوتَ،  والنِّسْوة خارجَ الحَرَمِ.
   _ وجلسةُ النساءِ طريفةٌ ومفيدةٌ، أمّا طرافتُها فتنبُعُ من تنوّع الموضوعاتِ، كما من سطحيتِها. وأمّا إفادتها فهي أنّك تعلمُ ما لم تكنْ تعرفُه، وأنتَ تُلقي السمْعِ على أطرافِ الحديثِ.
    _ ما لفتَ نظري أنّ إحداهنّ برِئت من مرضِها، عن طريقِ "البصّارة أم منير" وأنّ آخرَ في القرية أفادّه الشيخُ برهانُ في أمورٍ استشارَه بها!؟ وتذكّرت في هذه اللحظةِ يومَ تناهى إلى سمعي صوتٌ غاضبٌ شاتمٌ ، ينصبُّ من صاحبهِ على جارِنا "الشيخِ حسين "صاحبِ الدكانِ القريبةِ، وفيها يقرأُ المستقبلَ للزّبائن،  ويكشفُ لهمُ الحجُبَ، فالشيخ هذا هو الذي جعلَ خطيبةَ صاحبِ الصوتِ تتخلّى عنه،  وتميلُ الى شابٍّ آخرَ، ومنذئذٍ عرفتُ أنّ لكلمةِ الشيخِ أكثرَ من معنىً وأكثرَ من دورٍ.
    _ وساقني القدَرُ يوماً إلى حمصَ، مدينةِ الصّحابيِّ القائدِ خالدِ بنِ الوليدِ، وكانتِ المرّةَ الأولى التي أزورُها فيها بعد تخرُّجي من دارِ المعلّمينَ والمعلّماتِ، وقد حملتُ لقبَ "أُستاذ" . هناك شدّني الشوقُ لزيارةِ ذلك الشيخ،  وفي ذهني سؤالٌ ظننتُ أنّ الإجابةّ عنه ستبعثُ في نفسي هدوءاً وانشراحاً.
   _ ولم أتردّدْ في السؤالِ عن بيتِ الشيخِ برهانَ،  وعن مكانِ عملِه، فاتجهتُ حيث أُشيرَ عليَّ، وإذا أنا داخلَ البيت. منظرٌ عجيبٌ! لم أكنْ لأتوقّعَه، فقد اكتظّتِ النسوةُ بأشكالٍ وألوانٍ مختلفةٍ ، وتوزّعن في دارٍ غير واسعةٍ، في العتَبةِ، وداخلَ غرفتَين ضيّقتين ،ولم ينجُ مطلعُ درجٍ صغيرٍ منهنّ! وكان الشيخُ ينزوي مع زائراتِه ، ولا يقبلُ إلا الترتيبَ والتّوالي،  بحسابٍ فيه إصرارٌ وهيبةٌ. أمّا أنا فوحدي ،كنتُ من غيرِ جنسِ النساءِ ،أقفُ، وأتأمّلُ، وأتساءلُ إن كنتُ أستطيعُ الانتظارَ حتى يتفرّغَ لي شيخُنا؟. ومن حسن حظي إتّجه الشيخُ نحوي لأمرٍ لم أعرفْه فتجرّأتُ وتقدّمتُ وحيّيتُه، فإذا به ينظرُ إليَّ ليقولَ: مَن أنتَ؟ وماذا تريدُ؟
    _ وكان السّؤالُ جاهزاً ! يا شيخي، أنا من لبنانَ جئتك لأعرفَ منك إن كنتُ سأتزوّج ممّن ...؟ 
   _ وما تَرَكني الشيخُ لأكملَ: أأنت يا بُنيّ مُتعلّمٌ؟
    _ فأجبتُه: طبْعاً إنني طالبٌ جامعيٌّ،  وأستاذٌ أحملُ الشّهادةَ التّعليميةَ.
  _  فتبسّمَ ، وقال: أمُتعلمٌ ، وتَحملُ الشهاداتِ وتأتي إليَّ لأجيبَك على  مثلِ هذا  السؤالِ ، شأنُك شأنُ هؤلاءِ النسوةِ؟ وأدارَ الشّيخُ لي ظهرَه ، وعادَ مِنْ حيثُ أتى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق