الأربعاء، 22 أبريل 2020

النوارس//بقلم الاديب بركات الساير العنزي

الكاتب القاص والروائي
بركات الساير العنزي
من مجموعتي الثانية حوار الطرشان..ط.دار النوارس.القاهرة
ح٣
... كان نادر نشيطا في الأعمال التجارية حيث ورث ذلك من أبيه ، ولكنه غير تجارة الأقمشة إلى تجارة الآلات الزراعية والميكانيكية ..وقد أحب زوجته حبا شديدا ، لا يخلف لها وعدا ، كان صادقا في حبه ووده . وآثر أن يرعى شجرة زواجه بالحنان والمحبة .. وأكثر الناس سرورا بهذا الزواج كانت لواحظ كما توقعت
كان زوجا مطيعا مخلصا استطاعت أن تخصه بنفسها من دون الآخرين .
راحت ثروة نادر تكبر وتنمو بسرعة وفي ظرف سنوات أصبح الرجل من كبار تجار المدينة . عاش الزوجان قمة السعادة .. ولكن شيئا واحدا نغص حياتهما . لم يرزق الزوجان بأولاد رغم مرور خمسة أعوام من الزواج .. كانت لواحظ ترحب بصديقة عمرها وأخت زوجها حلا ، وهما يجلسان تحت شجرة العنب في حديقة المنزل .. نظرت لواحظ إلى ابن حلا وتنهدت .. فهمت حلا سر حسرتها فقالت :
- ما سبب تأخركما عن الإنجاب كل هذه السنوات ؟ الطب متقدم وهناك أطباء كثيرون في مدينة حلب اعرضا نفسيكما على طبيب مشهور واعرفا السبب .
- قالت لواحظ : سأقنع نادر ، لنعمل فحوصات كاملة مع بعضنا ، وسنعالج الموضوع إن شاء الله . ولكن لم تخبريني بعد ، ألم تتحسن علاقتك مع زوجك ؟
- لا، لازال يتجاهلني في أحيان كثيرة .. لقد قبلت الزواج به على مضض ، ولكن يظهر صحة المثل الذي يقول : رضينا بالهم والهم لم يرض بنا ، تنازلت عن كل طلباتي وقبلت به زوجا ، بعد إلحاح الأهل وخاصة الوالدة، التي تسعى لزواج البنت لأول عريس يطرق بابها .. ولكن الذي يصبرني هو ابني ، أصبح أملي في الحياة سأعمل لإسعاد ابني .. وترين الآن بطني وقد كبرت بعد حملي الثاني.. كنت آخذ حبوب مانع الحمل بدون معرفة زوجي ، ولكن أمي التي غيرت الحبوب بحبوب فيتامين من غير معرفتي وحصل الحمل . أحاول تقبل زوجي ، وأحمل نفسي على مجاملته .. إنها حال الدنيا يا لواحظ (حلا) اليوم غير حلا الأمس .
..... أخذ الزوجان موعدا مع الطبيب ، فقد أقنعت لواحظ زوجها بضرورة التحليل المشترك للزوجين عند طبيب مشهور تعرفه لواحظ ، فهو قريب لأسرتها .. خضع الزوجان لتحاليل طبية متنوعة ، وبعد التحليل استأذن نادر بحجة موعد مع تاجر كبير ، وأوصى زوجته بإحضار التحاليل ومراجعة الطبيب ..
-..... ما نتائج التحليل يا حبيبتي ؟ وندت عن شفتيه ابتسامة سخرية ويحمل بيده كأسا من عصير البرتقال أعدته الخادمة ، بعد أن صحا من نوم الظهيرة .
- لا شيء حبيبي لا تتعب نفسك ، انس الموضوع ودعنا نتمتع في حياتنا .
- هذا كلام جديد لقد أصررت كثيرا على مراجعة الطبيب ، أريد أن أعرف الحقيقة .
أطرقت برأسها نحو الأرض ولم تتكلم ، وحبست دمعات طفرت من عينيها ، ولكنها لم تستطع حجرها فانهمرت الدموع لتسيل على الخدين مع نحيب شديد ، احتضن نادر زوجته وراح يخفف عنها . لماذا تبكين ؟
أنت أغلى شيء عندي في الوجود . ولكن أريد الصراحة يا لواحظ .
_ قالت وقد عاودها البكاء ، ليت السبب مني ، تمنيت أن يقول الطبيب أن السبب مني ولكن ...
- ولكن قال لك السبب مني .. وشعر بحزن عميق وقد تغيرت ملامحه .. ثم قال : هناك أدوية كثيرة
وقاطعته ، نعم ولكن الطبيب يقول في مثل حالتك لا ينفع معه الدواء .. والأدوية قد تؤثر على صحتك وتصاب بأمراض أخرى ولم أوافق على الأدوية خوفا عليك . أنت أغلى من الولد ، أنت الحبيب والروح .. سأعيش العمر كله معك ،ولن أفرط بحبي وتعانق الزوجان وسط بحر من الدموع غمرت وجنتيهما .
رضي نادر بقدره ، وكل ما يتمناه أن ترضى زوجته بقدرها وتبقى معه لأنه لا يصبر على فراقها ، وراح يزيد من دلالها ،واشترى لها بيتا سجله باسمها .ولكن لواحظ ألحت على زوجها بإعادة الفحوصات مرة ثانية عند طبيب آخر.. وقالت هناك طبيب مشهور في مدينة حمص وهو من أقارب أمي لنذهب إليه .. ونسمع رأيه .. ربما الأطباء تختلف أراؤهم فيصيب أحدهم ويخطىء الآخر ... ولكنه اعتذر لمشاغله وإيمانه بنتيجة التحليل الأول . بيد أن لواحظ لم تترك له مجالا ..ألحت عليه ورجته كثيرا حتى اقتنع وقالت له : لن أؤخرك عن عملك اعمل الفحوصات، وسأبقى في حمص عند خالتي يومين أريح فيها أعصابي، وأسمع كلام الطبيب
ولكن الرجل خاب أمله بعد أن أعلمته زوجته نتيجة التقرير ورأي الطبيب كانت النتيجة واحدة في كلا التحليلين . أيقن نادر أن لا أمل له بالأولاد وعليه أن يصبر لمشيئة الله . وأن يظفر بقلب لواحظ التي ستعيش معه بدون أولاد .. وفكر مليا ماذا لو طلبت لواحظ الطلاق ؟ لا لن أحمل فراقها ، علي أن أحتفظ بلوا حظ ولكن بإرادتها . لم يكن يعلم أن الدهر قد خبأ له المرارة والتعاسة عندما نجح في حياته المادية .
السنوات تمضي من حياة الزوجين ويشعران بغصة تكدر حياتهما السعيدة.. عشر سنوات والزوجان دون أولاد، ساد محل الحبور والسرور الاكفهرار والألم .. وكثيرا ما كانت لواحظ تخفف عن زوجها إذا ما رأته واجما مفكرا ، وتطلب منه الزواج ، ويرد عليها ، بأنه لا يحب غيرها. وقد قال لها مرة :- يا لواحظ عشر سنوات من زواجنا ، وأشعر أني أسرق عمرك ، وأقدر تضحيتك من أجلي ، بل أحس بوخز الضمير ، إذا أردت الطلاق ، لتتزوجي من أجل الأولاد .. فأنا مستعد لهذه التضحية ، لأن من يحب يعطي.
لا أريد أن أكون أنانيا، وهذه للمرة الثانية أطرح عليك الموضوع ، ما زلت في عمر يكفل لك الإنجاب بإذن الله وأنت جميلة وما زلت في ريعان الشباب .. سأكون بعدك شجرة يابسة صفراء ، ولكنها ستقاوم حتى النهاية .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق