الجمعة، 17 أبريل 2020

وصرنا رقيقا /بقلم الشاعرة بثينة هرماسي

>>>> وَ صِرْنا رقيقا ... ! <<<<<<

سأعتذر من الكلمات
التي عَلقَمتْ حَلقِي ..
ومن الكلمات التّي لم أقلها ...
و حين كان يجب أن تقال ..
...................... جَبُنْتُ !

وأعتذر من الكلمات
التي قُلتُها و نَدمت ..
و تلك التّي حين أينعتْ
يمّمتُها ذرو الرّياح .....
.................ولم ألتفتْ !

سأعتذر من كلّ شيء
لكلّ شيء ..
من نفسي .. لنفسي
ومن الجميع للجميع
بالنيابة ..................

مِن غِيابك ..... أنت
لحضوري ........أنا
حين كان يجب أن تكون هنا ..
......... ومن حضوري أنا ..
........... لغيابك أنت !
حين لم نكن هناك معا ..
والعكس أيضا صحيح ..

سأعتذر من الحروب
المسكوت عنها ....
والحروب التي قالها
الصّمت البريء ......
و أحدثت ْكلّ هذا الدّمار
لأن الكلام لم يسدّ الرّمق

و سأعتذر للغارات ..
ممن أقضّ مضجعها
وأقلقها بالصراخ ..
على الورق ..........
....... و بالبنط العريض

سأعتذر أيضا للخطاطيف
ممّن وعدها شعاع ضياء
و حين عادت إليه ..
لم تجدْ عنده من الربيع
فتات رغيف ......
سأعتذر لشجرة التّوت
التي تمدّ ذراعيها إليّ
منذ غادرتها ........
و تسألُني أن أعود ..
كي تعلّمني ...
كيف أغادر الشرنقة ...

وسأعتذر من سكّان البناية القديمة
 المجاورة للحيّ الذي خلف حيِّي 
أنّه يوم سقطت  بنايتهم
قلبي لم يكن عندهم ..
بل أنّهم اقلقوا راحتي ..

و حين شبّ حريق هناك ..
كنت  أسرع وأستعدّ
  لعَدْوٍ  يوم جديد ..
لم أتوقّف .. لأطلب الغوث لهم
 أو أودِّعهُم ..
أو اقرا الفاتحة على أرواحهم ..
لقَدْ عَوّلتُ كَكلّ مرّة على الآخرين ..
و بما أنّهم  تعساء ..لم أقلق عليهم
  فهم سيموتون على كلّ حال ...
 في  حادث تعيس  هنا .. أو هناك ..

فقط يومها  أزعجني
 ذاك الدّخان الكثيف ..
ورائحة شواء اللّحوم ..
 التي ضايقت أنفي الجميل !
وأفسدت عليه متعة الإنتشاء  
بعطري الفرنسي الثمين
عطري الذي اِشتريته باهضا
.........  ليذكِّرَني بِبلادي ..
........... و  بِالياسمين ...
وبالطفلة التي كُنْتُها .....
قبل أن تبتلعها تَنَانِين المدن !

 لِفاقد الشّيء ..
 الذّي ألححت عليه
 أن يعطيني ما ليس عنده
 سأعتذر ..

لذئاب طريق ........
التّي ضَيَّعَتْ وَقتَها
وهي تنتظر الرّاعي معي ..
ليحميَني ...........
أعتذرُ !
 الرّاعي  الذي  حين جاع 
أكل كلبه .. و الخراف ..

وأكبر إعتذار سأقدِّمه باسمك
 لأنّي كنت أردّد  كلّ الوقت
 حِكمتَك يا أبي !
 حين كنت تقول لتفضّ نزاعاتنا ..
 
- بعد كلّ اعتذار سلام ..
 و تسقط الكفّ على ظلّها ..
 فلنعتذرْ !

يا أبي ! ...
معذرة ..  معذرة ..
الكفُّ في كلّ مرّة رأيتها
 تسقط على البؤساء !
برغم أنّهم إعتذروا 
أنّهم لم  يؤجّلوا
 فرح يومهم الى غَدهم

لقد قيل أنّهم  تجاوزوا حدّهمْ ..
بهذا الصّنيع ............
و رغم اعتذارتهم .......
قد نالوا العقاب .......
وسقطت الكفّ عليهم
لِتمحَقهُْم !
 لا على ظلّها ........

يا أبي !  
 برغم أنّ الاعتذار هراء ..
سأبقى أعتذر ... و أعتذر ...
و أعتذر ....... !

لأنّ في الصَّمْتِ ..
 يحاك  الجرم الكبير ....

وبصمتي أنا وصمت الجميع
قد قُيِّدتْ  كَوَاحِلُنا.....................
...................  و صرنا رقيقا !

بثينة هرماسي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق