الخميس، 2 يوليو 2020

رعد اماره ( كاتب صغير احمق .. الجزء الثاني والاخير )

كاتب صغير أحمق /الجزء الثاني والأخير 

كادَ الباص أن يفرغ من ركّابه، طيّبْ ماذا أفعل الآن ؟  فرصة العمر تكاد تَفلتُ من يدي، لولا هذه المخلوقة الفاتنة لأطلقت الفأر! وجودها بجانبي يقيّد من حركتي، انتابني الرعب للحظة، رحتُ أحدّق في الحقيبة، إنها جامدة مثل المرأة الحلوة الملتصقة بالنافذة، ما أدراني قد يكون الفأر ميتاً الآن! هَبطتُ برأسي  للأسفل بحذر ، أخذتُ أتشمّمْ الحقيبة وكأني أرنب يشمُّ جزرة، الحمد لله، ليس ثمة من رائحة، نَظرتُ بطرف عيني نحو جارتي،كانتْ تطرق بأصابعها المطلية زجاج النافذة، رحتُ أتأمل صفحة وجهها، ما أشدُّ جمالها، هكذا هَمستُ في أعماقي، فجأة أعتدَلتْ في جلستها، أدارتْ وجهها صوبي ثم كشَفتْ عن أسنان كاللؤلؤ وهي تبتسم في وجهي، أربكتني أبتسامتها، احمرَّ وجهي وتعَلقتْ نظراتي بالحقيبة، قالتْ بصوتٍ عميق دافئ أدهشني بحلاوته :
_ماهي صَنعتك؟ لاتقلْ دعني أحزر. قالتْ هذا وهي تهزُّ سبّابتها في وجهي وكأنها توجه إنذاراً لي، لم أنبسُ بحرف، فقط أبتلعتُ ريقي بصعوبة وأنا أتلّمسُ بعض الجرأة لأدامة النظر الى تقاطيعها الوسيمة، قالتْ بما يشبه الهمس، فَعلتْ ذلك وهي شبه مغمضة العينين :
_أنتَ معاون طبي، أو مضمّدْ، شيء من هذا القبيل، صح أليس كذلك هيا ُقلْ بسرعة. كانتْ الضحكة القوية التي أعرفها تكادُ تنطلق من فمي، لكني عوضاً عن ذلك أخذتُ الهث وقد طفرَ الدمعُ من عيني، قالتْ بما يشبه العتبْ :
_غلط ها، كنتُ امزح معك، أنتَ كاتب يا عزيزي، أنتَ كاتبْ. كادَ فكّي أن يسقط للأسفل، ثَبّتُ عيني في عينيها، لا أثر للمزاح، كانتْ واثقة من حدسها، فَكرتُ بسرعة كيف عَرفتْ؟ هل بسبب الحقيبة؟ لكن هذه الأخيرة لاتعني شيئاً، قلت :
_نعم نعم، لكن بربك كيف عرفتِ، هل أنتِ ساحرة؟. هذه المرّة كدتُ أقفز عن مقعدي حين أسمَعَتني ردها بصوتٍ عميق غَلبَ عليه البرودْ :
_بالفعل ياعزيزي أنا ساحرة، لن أسألك كيف عرفتْ، لكن نصيحة لاتُطلق الفأر لأنه لن يجدي نفعا. قالتْ هذا وهي تكاد تعرّي حقيبتي مما فيها بنظراتها المتوهجة، شَعرتُ بالظمأ فجأة، رحتُ أبتلع ريقي بصعوبة، لم يعد لديّ القدرة على الكلام، بالكاد تمتمة غير مفهومة جَعلَتها تعقدُ مابينَ حاجبيها وهي تهمس :
_هل أنت خائف؟ لاتخف فأنا لست مؤذية،بالكادْ أمزحُ معك ومع غيرك، هذا إذا كان المزاج رائقاً. عادتْ لنافذتها، قد تكون حركتها هذه مقصودة حتى أستردُّ أنفاسي، فكرتُ بأن أغادر مكاني، تباً لها ولجمالها لقد شلّتَْ أفكاري، عادتْ تحدّق فيّ لكن هذه المرة تَنهدتْ وزفرتْ أنفاساً حارة لفحتْ وجهي، قالت :
_ربما عليك أن تصطحب شيئاً أكبر حجماً، جرذ مثلاً، هذا مايخيف الناس يا عزيزي وليس فأراً ضئيلاً وتافهاً كالذي عندك. تمالكتُ نفسي، إنها محّقة هذه المخلوقة الغريبة، كيف لفأرٍ هزيل أن ُيرعب الناس، لكن جرذ سمين سيفعل العجائب حتماً، أخرجني صوتها العميق من دوامة أفكاري، قالتْ :
_ها، هل أعجبتك الفكرة؟. دون ارادة مني رحتُ أهزُّ رأسي بصورة آلية، كان بعض الخوف قد إجتاح كياني، لم أعد ملهوفاً للحديث معها مثل الأول، كنت أودُّ الخلاص من هذا الموقف الذي وضعتني فيه الاقدار أو الصدفة بأي صورة ممكنة، بذلتُ جهداً حتى لايظهر في نبرة صوتي رنة ذعر قد تسمعها أو تشعر بها ، قلت :
_فعلاً، الجرذ أفضل، إنه يأتي بالنتائج بصورة أسرع، ربما عليّ إعادة النظر في خطتي التي أبرمتها مع نفسي، نعم سيثير ظهور الجرذ عاصفة من ردود الأفعال التي ستخدمني في مشروعي القصصي بالنهاية. ختمتُ عبارتي وحاولت أن أبدو مرحاً، وجدتها تحدّق فيَ بجمودْ، كانتْ تتأملني وكأنها في سبيلها لألتهامي، أنكمشتُ على نفسي مجدداً، أشحت بوجهي،أخذتُ أنظر صوب المقاعد التي خلى أغلبها من شاغليها، ياإلهي، سيفرغ الباص وأنا مازلتُ مقيداً في مقعدي، هكذا همستُ مع نفسي وأنا أفكّرُ في أبتكار طريقة للهروب دون أن أثير ريبتها او غضبها، ففي كل الأحوال أنا لا أعرف ماهي او من هي! قد تكون من النوع الشرير الذي يفلتُ عقاله في النهاية، من يدري! أخذت نفساً عميقاً ثم تنحنحت، قررت أن أبدو هادئاً، قلت لها وأنا أحاول النهوض :

_في المرة القادمة ربما سأصطحب قطاً، سأحرص على أن يكون صغيراً وودوداً، - ضحكتُ بخفوتْ - عموماً فرصة سعيدة، محطتي باتتْ قريبة. قلتُ ذلك وأنا التفتُ صوب مقعدها ببطء، يارب السموات، هذه المرة شعرتُ بقلبي يهبطُ بين قدميّ، من هذا؟ ماذا يحصل لي! وأين المرأة التي كانت هنا؟ راح الرجل البدين المتكئ برأسه على زجاج النافذة يتفحصني من رأسي حتى قدمي، ارتسم ظل أبتسامة ساخرة على فمه، قال :
_تكلمُّ نفسك مثل المجانين، تمالك نفسك يارجلْ، هل أنت مريض؟. أبتلعتُ ريقي للمرة الألف، بحثتُ عن منديل أجفّفْ فيه وجهي السابح بالعرق، قلت من بين دموعي :
_فعلاً أنا مجنون، والا أية لعنة أتتْ بكم الي، بلله عليك من أنت، وأين المرأة ؟. لم يرد، فقط هزَّ رأسه وواصل الأبتسام، كان يبدو عليه الاستمتاع بتعذيبي، اشتدَتْ قبضتي على حقيبتي السوداء، فكرت بأن أضرب رأسه بها، ربما عندها يعود لي شيئاً من اتزاني! قال فجأة :
_هل فكرت بالموضوع؟. قلتُ وقد كدتُ أفقد اعصابي :
_أيُ موضوع؟. قال وهو يخفي بأصابعه فمه الكريه الضاحك :
_موضوع الجرذ طبعاً، خذها نصيحة مني، لاتطلق الجرذ، ستصاب بخيبة كبيرة. قال عبارته اللعينة تلك ولم يبالي بعلامات الدهشة الكبيرة التي ارتسمتْ على وجهي، بالكاد تمالكتُ نفسي، رحت أردّدُ بصوتٍ مسموع وأنا أتراجع للخلف،يا إلهي يا إلهي، تراخى في جلسته لكنه مدَّ عنقه رغم ذلك وقال :
_أنتَ لم تسألني من أكون؟. رفعتُ حاجبي وكأني أقول له ومن تكون عليك اللعنة، قال :
_أنا القط يا عزيزي، أنا القط. (تمت)

بقلم /رعد الإمارة /العراق /بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق