الأحد، 1 يناير 2017

.. ضرورة الإنتقال من الثقافة الترفيه الى الثقافة العملية بقلم محمد الفضيل جقاوة

... ضرورة الإنتقال
من الثقافة الترفيه الى الثقافة العملية
.
( هذه هي هديتي الى أمتي بمناسبة العام الجديد )
.
 في مقالة سابقة لي عرفت الثقافة على انها : المعارف و الخبرات الكافية للتحقيق التكيف الايجابي مع المحيط , فلا معنى ان يعرف فلاح في الجنوب الجزائري أن القرعيات في الشمال تسقى مرة في الأسبوع , لان القرعيات في الجنوب ينبغي ان تسقى مرة في اليوم على الاقل .
 إن الثقافة تتسم بطابعها العلمي في واقع الامر , و تتسم بطابعها النفعي ايضا , اذ هي ترتبط بالعمل الذي ليس في جوهره الا بذل جهد واع لاحداث تغيير ايجابي في المحيط , فالارض القاحلة حين تتستصلح و تنبت عليها الاشجار فان ذلك ليس الا تغييرا ايجابيا احدثه الفلاح . ثمة علاقة تلازمية اذن بين الثقافة و العمل , و هذه بديهة تستنتج من تعريق الثقافة السابق ذاته اذ هي حسن التكيف , و حسن التكيف يحققه العمل لا التفرج على المحيط .
 و لنفترض جدلا أن الثقافة هي اكبر من ذلك , و انها الدراية بكل المعارف غثها و سمينها , طبلها و زمرها , ( شطيحها و رديحها ) , أفلم يئن الوقت بعد , لنرتب اولوياتنا , و نقدم ما حقه التقديم و نؤحر ما حقه التأخير , و نميز بين نوعين من الثقافة , اعني الثقافة الترفية و الثقافة العملية ؟؟؟
 الثقافة الترفية ـ من وجهة نظرنا ـ هي تلك المعرفة التي نشغل انفسنا و ابناءنا في تتبعها , دون جدوى , لان هذه المعرفة لا تتحول ممارسة عملية في دنيا الواقع يستفيد منها الفرد و المجتمع .
إن مسابقة فكرية تكون أسئلتها من نمط :
ـ متى ولد شارلي شابلين و كم كان رصيده من الافلام الفكاهية ؟
ـ من هو بطل المسلسل المكسيكي كذا و كذا , أو العربي كذا و كيت , الامر سيان .
ـ ما اسم أخ النبي يوسف عليه السلام ؟ و من الاكبر منهما ؟ ..
 أنما تكون مسابقة غبية حمقاء , عدمها افضل منها , لان معرفة اجابة هذه الأسئلة أنما تشغل حيزا من الدماغ , ما احوجنا ان نشغله بالمفيد . و الواقع ان هذا النمط التافه من الاسئلة هو المسيطر على امتحاناتنا الرسمية في الجامعة و في غيرها , بل ان مقاييس تدرس في الجامعة هي ذاتها من هذا النوع الذي لا يقدم و لا يؤخر في واقعنا بشيء , بل انها مضرة لانها تشغل حيزا من ادمغة ابنائنا بتافه لا ينفع , و الامثلة كثيرة , فما معنى ان ندرس الادب الاغريقي القديم ؟؟ و كيف يسمح بالتكيف الايحابي مع الوسط ؟ و كيف ندرس الادب الشعبي من منظور غربي , و كيف يساعد على التكيف الايجابي مع الوسط ؟؟ و كيف ندرس المذاهب النقدية الغربية ؟ ما فائدتها و كيف تسمح يلبتكيف مع الوسط ؟؟ و القائمة طويلة طبعا ...
 و لو عدنا الى المجال الديني لوجدناه غارقا اكثر من غيره في هذه الثقافة المريضة التي لا تغير من واقع الامر شيئا لانها غير عملية من جهة و غير مرتبطة بالمحيط من جهة أخرى .
 الثقافة التي ينبغي ان تسود هي الثقافة العملية , التي تكون المعرفة فيها لاجل الممارسة العملية النافعة للفرد و المجتمع على سواء .
 إن سؤالا من نمط : هل تأبير النخلة ينبغي ان يكون من زوجها أم من اي زوج آخر و ما الفرق بين الحالين ؟؟ يحتاج جوابه بحثا و تجريبا , و المعرفة هنا مؤثرة في الانتاج , إذ هي تسهم في تكثيره او تقليله .
 الفلاح الجنوبي الجزائري لا يزال لا يعرف ان لكل نخلة زوجا مذكرا , و لكنه يعرف ماردونا و مشاكله مع المخذرات ..الخ . و تلك جريمة القنوات التي أنشئت دون الباب مفكرة , و دون أهداف مسطرة .
 الغريب في الامر أن ديننا الحنيف حذر من السؤال الترفي , الذي لا يكون جوابه حلا لاشكالية عملية ـ أقول عملية ـ دينية او دنيوية , و حذر حتى من الافراط في الأسئلة التي تخرج بنا من مساحة المباح الى مساحة الحظر , لان اصل الاباحة عمل , و اصل الحظر توقف عن عمل , و الفعل في الغالب افضل من الترك, قال تعالى : ( و لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم ).
 و المتأمل في القصص القرآني لا يجد تلك التفاصيل التي لا تتحول معرفتها عملا يوميا , ان الجهل بمعرفة هذه التفاصيل لا ضير فيه . اذ هو لا يرتبط بعمل يساعد على التكيف الايجابي بالمحيط , فلا معنى لان نعرف النهار الذي ولد فيه يوسف , و لا معنى لان نعرف اسم امه , و لا معنى لان نعرف لون الثوب الذي كان يلبسه يوم القي به في الجب ... الخ . تلك معارف عدمها افضل منها حتى لا تشغل حيزا من الدماغ , اذ الأولى ان يخزن فيه النافع ..
 و يصل الامر منتهاه في سورة الكهف , في موضوع معرفة عدد الفتيان الذين خضعوا للمعجزة الربانية , يصل الامر مداه لان المولى عز و جل انظلق يشوقنا بأسلوب مذهل الى معرفة العدد , يجعلنا ننتظر بفارغ صبر , و قد نقرأ بسرعة لنعرف العدد الصحيح من المصدر الذي لا يمكن ان يخطئ , انه المولى عزو جل ذاته , إذ لا يمكن ان يصدرهذا عن سواه , و لكن كم تكون خيبتنا كبيرة , فلا نجد هذا الجواب و لا يخبرنا المولى به , لنتأمل قوله تعالى جيدا : (( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم . و يقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب . و يقولون : سبعة و ثامنهم كلبهم . قل ربي أعلم بعدتهم لا يعلمهم الا قليل ..)) هكذا تنتهي الآية , و تنتهي معها السورة , و لا يخبرنا ربنا بالعدد الذي شوقنا الى معرفته . و السؤال هو : ما الفائدة من معرفة العدد ؟؟ و هل سيؤثر عدم معرفته في التكيف الايجابي مع المحيط ؟؟ هكذا يعلمنا ربنا الا نشغل انفسنا بمعرفة لا تتحول عملا يسمح بالتكيف الايجابي مع الوسط القريب و الوسط البعيد .
 إن أمة تستورد قمحها و دواءها و لباسها و قهوتها و حليب أطفالها من الخارج , و تقتات بالصدقات التي تقدمها لها بعض الدول ليكون خليق بها ان تسن قوانين تعاقب على تعاطي الثقافة الترفية , بل خليق بها ان تنشئ شرطة خاصة لمراقبة ذلك , في المسجد و الجامعة , بل في كل المؤسسات دون استثناء , لا نحلم بذلك طبعا في أمة مخذرة سكرانة لا تزال تنشئ قنوات لتثبت من كان اولى بالخلافه , اهو علي ام ابي بكر ؟ و تنشئ أخرى مروجة لسلع و افلام الغرب , و لكن ألم يأن الوقت بعد للتخفيف من ثقافة الترف ؟؟ و بالمقابل ألم يأن الوقت للتفكير في ثقافة عملية تغير من واقعنا المزري و لو بالقليل ؟؟؟؟
 .................
01/01/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق