الأربعاء، 20 مايو 2020

قصة زهايمر /بقلم الاديب رعد الامارة

قصة (زهايمر )

سمعت صوت شقيقي الراقد في ركن الغرفة والتي يطل بابها المنفرج على باحة الهول، سمعته يتحدث إلى أمي في البداية همساً، ثم بعد ذلك علا صوته، كان يسألها عن سبب جلوسها قرب (البرّاد) !لم أفهم ماذا قالت له، لكن شقيقي اللعين هذا راح يضحك فجأة بصوت عال ايقظنا جميعاً. كنا أربعة أولاد يلتحف كل منا ببطانيتين هرباً من طقس الشتاء البارد. راح الثلاثة يتحدثون مع بعضهم، فهمت الموضوع أخيراً! نهضت بسرعة، وقفت بباب الغرفة أولاً، رحت اتأملها بدهشة، آه، كانت تجذب (البرّاد) بيديها الأثنتين وقد تقّوسَ جسدها النحيف! قالت وهي تحدّق في بعينين غائمتين :
-أخوك ملعون، أقول له سيسرقون (البرّاد) وهو يضحك! . دنوت منها، جلست ملاصقاً لها، كانت تضحك وتبكي، حكّتْ رأسها ذو العصّابة السوداء برأسي، هَمستْ لي :
-جوعان! .كدت أن ابكي، أحمق من قال إنها مريضة، هي تشعر بي حتى قبل أن أنطق بها ، قلت لها وأنا اضم يديها الباردتين إلى صدري :
-مارأيك بأن نقلي البيض معاً؟ سيكون طيباً مع الشاي الساخن، اعدك سيتركون الغرفة ويلتصقون بك متوسلين. راحت تضحك حتى كادت أن تشرق بضحكتها، مسحت عينيها الدامعتين بطرف ردائها، نهضت وسبقتني للمطبخ، ثم شمرت عن ساعديها. كانت تباشير الفجر قد لاحت أخيراً، وراح المؤذن في الجامع القريب من بيتنا يجرب صوته الأجش، كنت اراقبها، تركت براد الشاي وسارت بخطوات واسعة، وقفت عند باب الغرفة ثم أخذت تنادي على الأولاد بأسمائهم بهمس راح يعلو تدريجياً ، لم يرد عليها أحد، بل إن واحداً منهم أو إثنين تصاعد شخيره في تمثيلية يجيد اتقانها! هَيأتْ الفطور في باحة الهول، أخذ بخار الشاي يتصاعد للأعلى ، كانت ماتزال تنادي عليهم حينما وقفتُ خلفها، ربّتُ على كتفها، ثم اضئت النور، رحت احدق فيهم، هززت رأسي! كنت أعلم انهم يكركرون تحت بطانياتهم وبعض دموعهم الساخنة تتطافر على خدودهم، آه، لطالما فعلت ذلك قبل سنين مضت!سحبت يد أمي، وضعت اصبعي السبابة على فمي، رحنا ننقل خطواتنا لباحة الهول بهدوء تام. كنا نأكل بهدوء، اتسعت ابتسامة أمي فجأة،كان اخوتي قد ملئوا فراغ الباب ،وهم يحاولون طرد ماتبقى من آثار النعاس عن أعينهم،أخذوا يدورون حولنا للحظات، لم يجسر أحدهم على التمادي بمزاحه ، كانوا يهابونني رغم ذلك! أحاطَ آخر العنقود بكتف أمي وأخذ يشم رأسها بود، صبّتْ الشاي الساخن له وقدٍمتْ له نصيبها من البيض، كنت اراقبهم بصمت وانا اسحب نفسا من سيجارتي!إقتَطعَ لقمة وقربّها من فمها الرفيع، امتنعت لكنه دسها بأحتراف وهو يغزها بلطف. تصاعدت من المطبخ رائحة الطماطم المقلية شبه المحترقة، كان شقيقاي الآخران قد هيئا فطوراً لهما أيضاً، تركتهم يتناولون فطورهم، كان مزاحهم الرائق مع امي يصل اسماعي، وأنا ارتدي ثياب العمل. قبّلتْ امي من رأسها، لاحقتني دعواتها وهي ترفع كفيها للأعلى، اوصيت آخر العنقود بها، ثم ابتلعتني ماظّلتْ من ظلمة الليل. كنت متعباً، تناولنا طعام العشاء معاً ، تمدّدتُ في ركني المعهود، أمضى اخوتي بعض الوقت في لعبة بوبجي، ألقيت نظرة أخيرة، استقرت عيناي على وجه أمي الهادىء، كانت نائمة مثل طفل. مضت ساعات عديدة قبل أن أشعر بمن يهزني من كتفي، ظننته حلماً في البداية، لكن اليد التي هزّتْ كتفي ضَغَطتْ بقوة وسرعة هذه المرة! إنها أمي، رحنا نحّدقْ في بعضنا على النور الشاحب المتسلل من باحة الهول، كان ثمة أكثر من الذعر في عينيها، قالت بصوت خافت :
-انهض بسرعة، سمعتهم خلف جدار البيت، يريدون قتلك!. رجعت برأسي للخلف، كان اخوتي نائمون تماماً،جلست في فراشي للحظة، أمسكت بيدها وأنا انهض، سرنا نتخطى إخوتي الراقدون، أمسكت بكلا كتفيها واجلستها في فراشها، قبلتها طويلاً في جبهتها، لم انبس بحرف، فقط نظرنا لبعضنا لوهلة وارقدتها في فراشها، سحبت الغطاء عليها وأخذت أربت على كتفها. شعرت برغبة قوية في تدخين سيجارة، كانت أمي قد غفت أخيراً وتصاعدت أنفاسها الحلوة، سرت على أطراف اصابعي بعد أن شَملتُ الجميع بنظرة أخيرة،في الخارج اتكأت على جدار البيت الداخلي، لمع وهج السيجارة ثم نحب شيء في داخلي، ورحت انشج بصمت!!!(ملاحظة :القصة حقيقية، أحدهم رواها )

بقلم /رعد الإمارة /العراق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق