قصة من وحي شهر رمضان الكريم ::
كفالة الأيتام
كانا يعملان في مؤسسة واحدة ربطتهما علاقة صداقة نزيهة ووفاء وإخلاص ومودة؛ فجعلت منهما صديقين حميمين لا يبخل أيّ منهم على الآخر بأي شيء وكان كل منهما سند للآخر يتصدون سويةً لأي مشكلة تواجه أحدهما أو كلاهما.
كان أمين هو مدير المؤسسة التي يعملان بها وكان عليّ يعمل معلماً مهنياً بتلك المؤسسة وكان رجلاً مؤمناً تقياً يخاف الله مواظباً لحضور الدروس الدينية في المسجد الذي لا يبعد عن منزله أكثر من خمسون متراً ، كان أمين يرافق صديقه عليّ إلى المسجد عند زيارته ليستمعا إلى الدروس الدينية المهمة .
كان يوماً ماطراً عندما انتهى الدرس الذي تناول موضوع الأيتام وكفالة اليتيم وثواب ذلك عند الله وكان الحديث يملأه الشجن والأسف على كل من يظلم يتيماً أو يقهره ولا يمنحه الحنان ويؤمن له احتياجاته المادية والعاطفية ؛ كان اللقاء حاراً ومؤثر فكانت دموع علىّ تنساب من عيناه تأثراً وحزناً على الأيتام ، غادر أمين المسجد مودعاً صديقه عليّ الذي لم يرغب بأن يتركه ، فوعده أمين بالحضور غداً وأن عليه الانصراف الآن إلى منزله.
عاد أمين إلى منزله وعند موعد السحور أيقظ أفراد أسرته لتناول طعام السحور ، وما أن جلسوا جميعاً حول السفرة إلا بجرس الهاتف يرن، وتتلاحق رناته في هذه الساعات المتأخرة من الليل والمبكرة من فجر يوم السابع والعشرون من شهر رمضان، من يكون المتصل يا ترى، لعل الموضوع خيراً ؟ ، أسئلة بدت معالمها واضحة على وجوه جميع أفراد الأسرة.
تناول أمين سماعة التليفون ... ألو... السلم عليكم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
يؤسفني أن أخبركم بوفاة صديقكم علىّ بسبب إصابته بجلطة حادة في القلب .
سقطت سماعة التليفون من يد أمين ووقع مغشياً عليه.
كان علىّ المعيل الوحيد لأسرته التي تتكون من الزوجة وأبناء وبنات لا زالوا في عمر الطفولة وكانت أحد الطفلات رضيعة .
اعتصر الألم قلب أمين حزناً لوفاة صديقة عليّ وهو لا يتجاوز السادسة والثلاثون من العمر وقرر تبني رعاية أفراد أسرة صديقه عليّ وتكفل بهم جميعاً ، يتقاسم معهم لقمة العيش ويلف بحنانه أطفال صديقه الأيتام وكان للطفلة الرضيعة مكاناً بين أحضانه التي تنفث دفء الأبوة والرأفة والحنان في جسدها.
كان أمين يوجه أبناء صديقه نحو التعليم ويؤكد لهم بأن العلم هو السبيل الأهم لتطور الإنسان، فكانت توجيهاته لهم كبير الأثر في نفوس أبناء صديقه الأيتام، وما أن أنهى الابن الأكبر مراحل متقدمة من الدراسة حتى قام أمين بمساعدته بإيجاد عمل له لدى المؤسسة التي يرأسها .
مرت السنون و كبر الأبناء وكبرن البنات وجميعهم تزوجوا وأنجبوا أطفالاً ؛ و أمين لا زال يجلس هناك عند بوابة الذكريات ينظر ويتذكر ويتأمل آيات القرآن بحق اليتم ، فيحمد الله ويشكر فضله.
انتبه أمين لآذان المغرب معلناً موعد الإفطار.. وإذا بحفيدته تطلب منه الحضور لتناول طعام الإفطار..
د. عز الدين حسين أبو صفية،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق