الكاتب القاص.
بركات الساير العنزي
من مجموعتي الثالثة
حوارات وأفكار
حكاية امرأة مقهورة
الجزء 2
ولدت أنا حنان في أسرة لا تعرف الحب ، من والد لايعرف الرحمة في حياته ، قلما رأيت ابتسامة ترتسم على الشاربين الكثيفين .عبوسه الدائم يرتسم على انفه المقوس من أثر كسر في حياته . كنت أكره كل رجال الشرطة من شخصية أبي . وربما ارتسمت في ذهني صورة رجل البوليس الشرير ـفلا أطيق النظر إلى أي شرطي . تتكون عائلتنا من أربع بنات وولدين . أنا أكبر أخواتي وأخوتي ، ولدت أمي ولدين بعد أربع بنات . وكان أبي يوبخ أمي بعد كل ولادة بنت . ويضربها أحيانا لأنها تلد بنتا. لا نعرف أين يذهب براتبه ؟، كنا نجوع أحيانا ، ولكن أمي كانت تعمل خادمة في بعض البيوت الميسورة الحال ، وكانت تعيننا من الجوع والفقر. عندما أصبحت في المرحلة الثانوية من الدراسة ، طلبت أمي الطلاق من والدي . بدأجسم والدي بالنحول والضعف ولم يعد يقوى على المسير. أصبح يشعربالعجز والضعف . وأصبحت عيناه تغوران يوما بعد يوم .دخل الغرفة وهو متهالك ، وصرخ بصوت أجش . - أيتها المافونة هل حضرت الغداء ؟ -لقد ضعفت وخارت قواك ومازلت بأخلاقك السيئة . – أتردين على كلامي أيتها المرأة ؟. - اسمع أيها الأحمق ، اسمع الكلام الفصل الذي لن يعجبك . لم تحسب حسابا لضعفك في الحياة لقد خسرت حياتك من أول زواجك ، خسرت زوجتك . وخسرت أولادك . ولن أخدمك بعد اليوم اخرج من هذه الغرفة ولن أخدمك . اذهب واخدم نفسك .لم تترك لحياتك عملا يغفر لك .
وتقدمت نحوه أمي ودفعته من صدره وأخرجته من الغرفة ،وهي تكيل لها الكلام المهين .ولأول مرة أرى أمي جريئة قوية شرسة ، لقد كشرت عن أنيابها وهددته بالقتل إن لم يطلقها ويترك البيت . لقد رضخ أبي بعد تنمر أمي ، باليتها تنمرت من سنين طويلة ، وتركت هذا الأب . الطغاة عندما يجدون الرعب الحقيقي يواجههم يصبحون أرانب . لأنهم في طبيعة أنفسهم جبناء .
استسلم أبي بعد مشوار من العمر كان يظن أنه سيبقى سيد الغابة ، ولكنه أكتشف أن زمانه قد تغير ، وأن نعاج الأمس أصبحت نمورا ، لم يكسر نفوسها الذل الطويل ، جلس في غرفته لا يخرج إلا قليلا . وأقوم على خدمته بحكم الأبوة أقدم له الطعام وأخدمه في حاجاته. لا أريد أن أنال عقوبة الله من أجله. لقد ارتحنا من ركلاته وصراخه. كنا نصبح على صراخ وننام على ركلات. كانت أختي الثانية ، مصابة بالروماتزم والحمى الرثوية ، لم تستطع إكمال دراستها .قالت لي :
-اسمعي أختي حنان . أنا لا أستطيع إكمال دراستي ، والحمى الرثوية تشل ركبي .وتهز قلبي . وجدت عملا في متجر كبير، وسأعمل فيه في عرض المبيعات على المشترين . وسوف أساعدكم وأقدم لكم ماتحتاجون .
-أختي منيرة ، أنا أكبر منكم والواجب علي أن أعمل، وأقدم لكم وتبقين أنت في المدرسة .
-لا ياحنان أنا لست شغوفة كثيرا للمدرسة ، وقد أخذت حظي من الإعدادية وهذا يكفي .
- شكرا لك أختي على هذه التضحية وهذا العقل الكبير عندك ، لقد تحملت المسؤولية صغيرة . كنت في الصف الثاني ثانوي علمي في مدرسة ثنائية اللغة . وعمري خمسة عشر عاما . جميلة كجمال أمي .جذابة جميلة الشعر ،فقد كان شعري ناعما وطويلا .وصديقاتي يسموني بالساحرة لجمالي وجمال العينين وكانهما بندقتين . ورغم فقري فقد كانت صديقاتي من الطبقة الغنية ولم أشعر بالحسد منهن لأنهن يغمرنني بالحب والحنان .
..وراحت منيرة تساعد الأسرة في حياتها . أما أنا نجحت في الثانوية بمعدل جيد جدا ،
ولكني لا أستطيع إكمال الجامعة .عملت دورة في معهد فني لأصبح خبيرة تجميل ، أتقنت عملي والتحقت بالعمل عند أمرأة طيبة صاحبة صالون تجميل محترم . أصبح وارد الأسرة محترما . وضعت نصب عيني أن اهتم بأخوتي ليكملوا دراستهم .
سنوات مضت وأنا أخدم أخواتي وأخوتي ، بقيت وحدي المعيل لهم ، فقد جلست أختي منيرة بالبيت ، لم تعد تقو على العمل وحقن الكورتيزون تنال من جسمها ، بعد أن نهشت الحمى الرثوية جسدها وتعبت مفاصلها . ولم تعد تقو على النهوض . كلمتني أمي وقالت لي :
-اسمعي ياحنان ، لقد كبرت وعمرك تجاوز السابعة والعشرين من عمرك. ويجب ان تنتبهي لنفسك ، أخوتك أخذوا طريقهم في الحياة . ويجب أن تتزوجي لقد كلمني رجل من أصدقاء العائلة يريدك زوجة له.
كان كلامها جديدا لم أسمع لمثل هذا الكلام . ولقد روضت قلبي أن لا يسمع للرجال .
-قلت لها : حسنا ياأمي ليحدد موعدا أراه هنا في البيت.
-الأفضل أن تقابليه خارج البيت ، تتفاهمي معه ، وبعيدا عن الإحراج، وعن وجود أبيك وأخواتك ..لست بعيدة عن الحب وهو في نفسي ، ولكن عقلي يتحكم بإرادتي ،لو اطلقت العنان لنفسي لا نزلقت في مهاوي الردى ، وخاصة أن جمالي يجذب الرجال ، وخبرتي من زواج أمي جعلتني أنظر بالريبة لهم . وكنت أعتقد أن الرجال يختفون وراء شخصيتين ، إحداهما شخصية لطيفة قبل الزواج , وشخصية ثعبانية بعد الزواج . وكنت أخشى الرجل الوسيم ، الذي يتعالى على زوجته بوسامته ، ولكني أقول أنا أكثر وسامة من أي رجل ، أريد الرجل النبيل الخلوق، الذي يعوضني بحنانه عن أبي المفقود الموجود .
الحب جميل كما يقولون لم أجربه ، ولكن أقرأ أشعار المحبين ، وقصص العاشقين . هناك من يقول الحب يعطي المرأة الطمأنينة والأمان . وهناك من يقول يعطي المرأة الخوف والجنون . ولكن الحب تجربة لابد من خوضها مهما كانت الخيارات.
قابلت الرجل في منتزه جميل وجلسنا على طاولة أمام بعض . أراد مني ان أجلس جانبه ، ولكني آثرت أن أجلس أمامه لأتفحصه ، وأدرسه كما يدرس الكتاب ، وفي قرارة نفسي جلسة واحدة لا تكفي . كان الرجل متوسط الوسامة طويل القامة ، يحلق شاربيه ، وأنا لا أستسيغ الرجل عندمايحلق شاربيه ، وأفضل أن يرتسم وجهه بلحية ناعمة تزين خديه . كرهت الرجل عندما جلس ساكتا خجلا لا يتكلم أخذت أحركه للكلام . سألته عن عمره وعمله وهواياته في الحياة . كان يحرك يديه مثل النساء ويتكلم مثل النساء . ياإلهي كيف أتزوج من رجل حركاته مثل حركات النساء؟ وتعابيره مثل تعابير النساء ، فصرفت نظري عنه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق