الخميس، 23 يناير 2020

التناص في الشعر:

التناص في الشعر:

كثر الحديث بين شعراء ونقاد الأدب العربي عن التناص ومفهومه وأنواعة حسب تأثر الشاعر في قصائدة بالنصوص الدينية والتاريخية والأساطير ومدى قدرته الإبداعية علي احتواء النص القديم بقوانين الامتصاص الثلاثة إما بالاجترار أو الامتصاص أو التحوير . وأصبحت النصوص الشعرية الحديثة لا تخلو من اسقاطات على نص قديم وذلك أرجعه الى اتساع ثقافة الشاعر نظراً لاتساع  وسائل الاتصال الأدبي والمعرفي. 

اصطلاحـــا فإن التناص ميزة نصية أساسية تأخذ النص من تفرده إلى علاقات و تداخلات مع نصوص أخرى،حيث لا يخلو نص من نصوص تدخل في نسيجه سابقة له أو معايشة(في نفس الزمان). و يعني نسج أو حبك،وبذلك يصبح معناها التبادل النصي، التناص ،تعالق النصوص، التناصية (intertextualité )

ولما كانت ظاهرة التناص في الشعر العربي الحديث تُشكل بعدا فنيا و إجراء أسلوبيا يكشف عن التفاؤل بين النصوص الحديثة و القديمة أو التقاء بين الحضارات إذ يتم استدعاء النصوص بأشكالها المختلفة على أساس وظيفي يُجسد التفاعل بين الماضي والحاضر، و إذا كان الدارسون قد أجمعوا على أنه لا يخلو نص من نصوص أخرى،يتناسل معها فتتكاثر،فإن ما يهم القارئ المُتلقي لهذه النصوص المتناصة هو كيفية توظيف النص الوافد ليصبح جزء أساسيا من نسيج النص أو لبنة من لبناته لا أن يكون نشازا أو غريبا عن النص المستقبل.

و تتم دراسة التناص من خلال قوانينه الثلاثة (وهي أنــــواعه) الخاصة به ,والمتمثلة في:الاجترار،الامتصاص و التحوير.
أما الاجترار: فهو تكرار للنص الغائب من دون تغيير(ما كان يُسمى بـ الاقتباس)،أي أن الشاعر يكتفي بإعادة النص مثلما هو أو بإجراء تعديل طفيف لا يمس جوهره وعادة يتم على مستوى النص الديني لما يحظى به من تقديس و احترام،ليأتي في الدرجة الثانية النص الأسطوري،مثل نص عبد الوهاب البياتي:
"...و صياح ديك فر من قفص، وقديس صغير
"ما حك جلدك مثل ظفرك"
و الطريق إلى الجحيم
من حبة الفردوس أقرب والذباب
و الحصادون المتعبون
زرعوا ولم نأكل
و نزرع صاغرين فيأكلون..."
و أما الامتصاص : فهو شكل أعلى وأكثر قدرة على خلق شعرية في النص الجديد حيث يتعامل الشاعر مع النص المتناص تعاملا حركيا تحويليا لا ينفي الأصل، بل يسهم في استمراره جوهرا قابلا للتجديد أي أن الامتصاص لا يجمد النص الغائب و لا ينقله بل يعيد صياغته من جديد وفق متطلبات فكرية وتاريخية وجمالية ،ونجد هذا في قول الشاعر البياتي من قصيدته"الموت في الحب" في قوله:
أيتها العذراء
هزي بجزع النخلة الفرعاء
تتساقط الأشياء
تتفجر الشموس والأقمار...
حيث يمتص هذا النص الآية القرآنية:"وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا"(مريم:25)

أما التحوير: و يعتبر هذا النوع من أنواع التناص أعلى مرحلة من مراحل النص الغائب،فالشاعر يقوم بتغيير للنص المأخوذ (المُتناص) بأن يُحدث عليه تغييرا عن طريق القلب أو التحوير إيمانا منه بعدم محدودية الإبداع، ومحاولة لكسر الجمود الي يغلق الأشكال والكتابة و لإثارة الدهشة و التساؤلات عند القارىء الذي يعمل على تأويل هذا القلب أو التحويل عند الإجابةعن سؤاله لماذا غيّر الشاعر هذا النص؟ مما يدفع الشاعر وهو يصيغ نصه صياغة جديدة إلى تناسي بعض الاعتبارات وخاصة عندما يتعلق الأمر بنص ديني والخوض في المسكوت عنه لضرورة أدبية حيث الحوار أو القلب أو التحوير...هو الصيغة الأكثر شيوعا في التناص، نمثل لذلك من خلال قصيدة الحيدري بعنوان "حوار عبر الأبعاد الثلاثة" في قوله:
.............................
"العدل أساس الملك"
ماذا...........؟
العدل أساس الملك
صه..........لا تحك
كذب...كذب...كذب
الملك أساس العدل

فالتناص في أحد مستوياته التي تسبب الغموض يقترب من مفهوم الجدلية الفكرية،فكل النصوص الأدبية محاكة من نصوص أدبية أخرى ليس بالمعنى الصرفي،بل بمعنى تشغيل هذه النصوص في مستوياتها الأشد تجدرا والذي يعني أن كل كلمة،أو عبارة،أو مقطع هو إعادة تشغيل أخرى سبقت العمل الفردي أو أحاطت به.
وفي البحث القادم نعرض الفرق بين السرقات الشعرية, والتناص وأشكال ودرجات السرقات الشعرية .

مرجع البحث : 
دراسات ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق