أمرأة من بلادي
(ملحمة شعرية)(*)
***
ألملمُ بقاياي ، هذا هو القدر
يا قلب لا ترحل ، فالموت لا يذر
أصعدُ من ليل السجون
أنتظر خيلي وفرسان المطر
تخضلّ في عيونك يا بغداد
أشجار النخل والتين
والزيتون ، وخبزنا الأسمر
على أديمك عصرتُ الحزنَ
(على كفّ أخضبها
مما أحتوى القلب
موجوعاً واعتصر)
عيونك يا أبنة هذه الأرض
توضأتْ بماء الجراح
أضاءتْ أجنحة المداخل
واستقتْ بالعفة طل الصباح
عيونك أوغلتْ في وهج الضوء
حتى توحّدت في الزمن المتهدج
فتوقفتْ في أول الخوف
ثم ضحكتُ ، وغنت
أناشيد الخلاص ساعة السحر
***
الأشجار الساكنة
في هجير الصيف عطشى
مازالت جرداء
ثمنها في المزادات الحمراء
كأس وابتسامة
من ثنايا غانيةٍ
تتمطى فوق أحزان القمر
الأشجار الخضراء
الساكنة بين أكواخ المآسي
والصفيح الأعمى
تآمر عليها حراس الغابات
وفرسان الضباب
أشجارنا المتقاعدة
منذ آلاف الحسرات
رأيتها تهاجر
في ذلك الصباح الحزين
على عربات الحطابين
***
مذ كان المجد مهري
كانت أناشيد البطولة
تزرع الأقمار في كبد السماء
وكنت أنا الراحلٌ لشروقٍ
كوجهك في أطياف المساء
كان عصر الحنين
يشعّ شمساً وكوكباً وضاء
حتى خرجتُ ذات يومٍ
مبتهجاً من رصيف البكاء
***
ذات صباحٍ مشرق
أقبلتْ امرأةٌ من غرب الوادي
قمرٌ يتوهج بالأوجاع
شمعةٌ تلهث بالنور
توضأتْ بماء الورد وشهد الزلال
رتّلتْ أهازيجها
على مسمع العصور
والودقُ يتمتم في ليلها
يملأ نفسها يقظةً بالزمان تدور
صلّت عند سارية حلم ٍ
تجسّد في نبضها
ثم زوقتهُ كالنار ملء عروقها
حرّمتْ على نفسها
بهارج الترف النضير
ثم دعت إلى ترحالٍ صبور
هو أسمى من فتات الماضي
وترفِ الحاضر العقور
ترحال موشوم بالأمل الزاهي واستشراف المستقبل المنير
(امرأة تأخذ شكل بلادي)
يداعبها زمن الحب الطهور
يعاقرها الشوق ،
ورسم القبلات
على الأزقة والطرقات
امرأة تتوهج بتراب أرضها
وأخضرار النجمات والبدور
امرأة تعفّ الثرثرة العقور
وإن سال منها شهدٌ أو عبير
لا يغريها جمالٌ ،
وإن صيغ من مرمرٍ أو حرير
رعاها الله، أخت العرب
وهي ترفّ بالأماني
على سدرةٍ عَطور
تُحلي مآقيها ،
تضمدُ بالحنين جراحها
تُشيّع الحزن إلى مثواه
بالدمع الصبور
*******
(*) القصيدة مُحَدّثة
د. عبدالوهاب الجبوري
العراق في 2020/5/19
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق